وأما الفرنج فإنهم كانوا عازمين على قصد حمص بعد الهزيمة لأنها أقرب البلاد إليهم ، فلما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا : لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها. ولما رأى أصحاب نور الدين كثرة خرجه قال له بعضهم : إن لك في البلاد إدرارات وصدقات كثيرة على الفقهاء والفقراء والصوفية والقراء ، فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح ، فغضب من ذلك وقال : والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنما تنصرون بضعفائكم ، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطىء وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطىء ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم. ثم إن الفرنج راسلوا نور الدين يطلبون منه الصلح فلم يجبهم وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم اه.
أقول : دعاني إلى ذكر هذه الوقعة بالأصالة وإن كان مكانها خارجا عن ولاية الشهباء لأنها كانت السبب للوقعة التي بعدها على حصن حارم ، فذكرناها تمهيدا لتلك.
سنة ٥٥٩
ذكر فتح حارم
قال في الروضتين : قال العماد الكاتب : في سنة تسع وخمسين اغتنم نور الدين خلو الشام من الفرنج وقصدهم واجتمعوا على حارم فضرب معهم المصاف فرزقه الله تعالى الانتقام منهم فأسرهم وقتلهم ، ووقع في الإسار إبرنس أنطاكية وقومص طرابلس وابن الجوسلين ودوك الروم ، وذلك في رمضان.
وقال في الخريدة : كانت نوبة البقيعة نوبة عظيمة على المسلمين ، وأفلت نور الدين في أقل من عشرة من عسكره ثم كسر الفرنج بعد ثلاثة أشهر على حارم ، وقتل في معركة واحدة منهم عشرين ألفا وأسر من نجا وأخذ القومص والإبرنس والدوقس وجميع ملوكهم ، وكان منحا عظيما وفتحا مبينا.
قال ابن الأثير : والسبب في هذا الفتح أن نور الدين لما عاد منهزما على ما سبق من غزوة ناحية حصن الأكراد أقبل على الجد والاجتهاد والاستعداد للجهات والأخذ بثأره وغزو العدو في عقر داره وليرتق ذلك الفتق ويمحو سمة الوهن ويعيد رونق الملك ، فراسل أخاه