وبين يديه الأسارى بأيديهم الرماح عليها شقف رؤوس القتلى منهم. وكان يوما مشهودا ، ومع السلطان طائفة من أصحاب سنقر الأشقر منهم علم الدين الدواداري ، فنزل السلطان بالقلعة مؤيدا منصورا وقد كثرت له المحبة والأدعية ، وكان سنقر الأشقر قد ودع السلطان من حمص ورجع إلى صهيون.
وأما التتر فإنهم انهزموا في أسوأ حال وأتعسه يتخطفون من كل جانب ويقتلون في كل فج ، حتى وصلوا إلى الفرات فغرق أكثرهم ونزل إليهم أهل البيرة فقتلوا منهم خلقا كثيرا وأسروا منهم آخرين والجيوش في آثارهم يطردونهم عن البلاد حتى أراح الله منهم الناس. وقد استشهد في هذه الوقعة جماعة من سادات الأمراء منهم الأمير الكبير الحاج عز الدين أزدمر الجمدار وهو الذي جرح ملك التتار يومئذ منكوتمر ، فإنه خاطر بنفسه وأوهم أنه مقفز إليه وقلب رمحه حتى وصل إليه فطعنه فجرحه فقتلوه رحمهالله تعالى ودفن بالقرب من مشهد خالد ، وخرج السلطان من دمشق قاصدا الديار المصرية يوم الأحد ثاني شعبان والناس يدعون له ، ودخل مصر في ثاني عشر شعبان.
قال أبو الفداء : كان عدة التتر ثمانين ألف فارس منهم خمسون ألفا من المغل والباقي حشود وجموع من أجناس مختلفة مثل الكرج والأرمن والعجم وغيرهم. ولما وصل خبر هذه الكسرة إلى أبغا وهو على الرحبة يحاصرها رحل عنها على عقبه منهزما وكتب بهذا الفتح العظيم إلى سائر البلاد الإسلامية فزينت لذلك. (ثم قال) : ومات منكوتمر بن هولاكو بن طلو ابن جنكز خان بجزيرة ابن عمر مكمودا عقيب كسرته على حمص ، وكان موته من جملة هذا الفتح العظيم.
سنة ٦٨١
قال أبو الفداء : فيها ولى السلطان مملوكه شمس الدين قرا سنقر نيابة السلطنة بحلب فسار إليها واستقر.
سنة ٦٨٢
قال ابن الوردي : فيها تسلم عسكر حلب لكحنا بمكاتبة حكامها قراسنقر وصارت من أعظم الثغور نفعا.