وقيل : إن نور الدين المذكور كان يحشو القطايف للفقهاء ويملأ هذا الجرن ويجتمعون عليه ويأكلونها (١) ، وهذا الجرن هو الآن بالمدرسة الحلاوية. (قلت) : وقد شاهدت هذه الرخامة لكنها ليست بجرن ، فإن الجرن الحجر المنقور المتخذ للوضوء والوضع فيه ، وهذه الرخامة بسيطة طويلة عريضة مربعة إلى الطول أقرب إلا أن لها حافات عالية عنها مقدارا يسيرا نحو إصبعين أو ثلاثة.
(حاشية بين سطور الدر المنتخب) : وقال كاتب هذه الأحرف أبو اليمن البتروني : وقع على هذا الجرن أحد جدران المدرسة فانكسر وصار قطعا وأسف الناس عليه لأنه كان غاية في الحسن اه.
مدرسو المدرسة من حين بنائها إلى سنة ٦٥٠ تقريبا :
قال ابن شداد : ولما فرغ نور الدين من بنائها استدعى لها من دمشق الفقيه الإمام برهان الدين أحمد بن علي الأصولي السلفي ليجعله نائبا عن برهان الدين البلخي ، فامتنع من القدوم فسير إليه ثانيا فأجابه ، ولم يزل نائبا إلى أن مات ، ولما مات شمت الناس بعلي لموت أحمد ، وتولى تدريسها الإمام الفاضل رضي الدين محمد بن محمد أبو عبد الله السرخسي صاحب المحيط ، كان قدم حلب فولاه محمود بن زنكي التدريس ، وكان في لسانه لكنة فتعصب عليه جماعة من الفقهاء الحنفية فصغروا أمره عند نور الدين فمات يوم الجمعة آخر جمعة من رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ، فولي مكانه إسماعيل الغزنوي البلخي وكان بالموصل ، ثم ولي صاحب التصانيف البديعة في أحكام الشريعة علاء الدين (٢) ، ثم ولي الإمام افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي صاحب الرواية العالية الفاخرة والدراية الزاهية الزاهرة ، شرح الجامع الكبير شرحا لطيفا مستوفيا وقام بما
__________________
(١) أقول : ولهذا سميت المدرسة الحلوية. وقال في الزبد والضرب : إن الظاهر في تسميتها بالحلاوية لم تكن لما كان يصنعه من الحلوى ويضعه في الجرن المذكور ، وإنما كان لحلاويين كانوا بجوارها.
أقول : إنها قبل أن تتخذ مدرسة كانت مسجدا يعرف بمسجد السراجين ، والظاهر أنه سمي بذلك لسراجين كانوا بجانبه ، ولا يعرف ذلك السوق بسوق الحلاويين وقتئذ ، فيغلب على الظن في تسميتها بالمدرسة الحلوية ما هو مشهور بين الناس وهو هذه الحلوى التي كانت تصنع للفقهاء وتوضع في هذا الجرن
(٢) هو صاحب بدائع الصنائع في الفقه الحنفي وستأتيك ترجمته.