عيسى الفقيه المالكي المغربي يلقب بالحجة ، فقيه حسن فاضل عارف بالأصول ومذهب مالك ، قدم علينا حلب قبل الستمائة وولي التدريس بزاوية المالكية بالمسجد الجامع ودام يدرس بها مذهب مالك إلى أن توفي بعد الأربعين والستمائة بحلب.
آثار نور الدين فيه :
قال في الدر المنتخب في الكلام على المسجد الجامع : لما كانت ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة في أيام الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي أحرقته الإسماعيلية واحترقت الأسواق التي حوله ، فاجتهد نور الدين في عمارته وقطع الأعمدة الصفر من بعادين ونقل إليه عمد مسجد قنسرين ، لأن العمد الرخام التي كانت فيه كانت قد تفطرت وتنخرت من حريق النار وسقطت ، وكانت قواعد العمد في صحن الجامع مع شيء من الرؤوس وهي في أرضه ، فجمعت وبني بعضها فوق بعض في الغربية التي فيه ، وكان النصف القبلي من الشرقية التي في قبلي الجامع الآن الملاصقة لسوق البز عن يمين الداخل من الباب القبلي سوقا موقوفا على الجامع ، ولم يكن المسجد على التربيع فأحب نور الدين محمود أن يضيف ذلك إلى الجامع فاستفتى في ذلك الفقيه علاء الدين أبا الفتح عبد الرحمن بن محمود الغزنوي فأفتاه بجوازه ، فنقض السوق وأضاقه إلى الجامع فاتسع به وحسن في مرأى العين ووقف عليه نور الدين أوقافا كثيرة.
نواب نور الدين بحلب وآثارهم :
قدمنا أن نور الدين محمود ملك دمشق سنة ٥٤٩ ، ويظهر من خلال الحوادث أنه في سنة ٥٥٣ أو ٥٥٤ اتخذها دار ملكه ومقره ، وكان يتردد إلى الشهباء وإلى هذه البلاد للغزو والنظر في شؤونها إلى حين وفاته ، وكان ينوب عنه في الشهباء كما تراه في خلال الحوادث الأمير مجد الدين أبو بكر بن الداية وهو رضيعه وأكبر أمرائه ، وهذا قد توفي في سنة خمس وستين وخمسمائة ، وبعد وفاته قام بأمر النيابة بعده أخوه الأمير علي الملقب شمس الدين ، ولما توفي الملك العادل نور الدين كان هو القابض على زمام الأمور بالشهباء ، وكان والي القلعة جمال الدين شاذبخت الخادم الهندي عتيق نور الدين.