وكانوا أطرافا أراذل ، فاجتمعت البحرية على قتله بعد نزوله بفارسكور وهجموا عليه بالسيوف ، وكان أول من ضربه ركن الدين بيبرس الذي صار سلطانا فيما بعد على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ، فهرب الملك المعظم منهم إلى البرج الخشب الذي نصب له بفارسكو على ما تقدم ذكره ، فأطلقوا في البرج النار فخرج الملك المعظم من البرج هاربا طالبا البحر ليركب في حراقته ، فحالوا بينه وبينها بالنشاب فطرح نفسه في البحر فأدركوه وأتموا قتله في يوم الاثنين المذكور. وكانت مدة إقامته في المملكة من حين وصوله إلى الديار المصرية شهرين وأياما ، ولما جرى ذلك اجتمعت الأمراء واتفقوا على أن يقيموا شجر الدر زوجة الملك الصالح في المملكة وأن يكون عز الدين أيبك الجاشنكبر الصالحي المعروف بالتركماني أتابك العسكر وحلفوا على ذلك ، وخطب لشجر الدر على المنابر وضربت السكة باسمها وكان نقش السكة (المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل) وكانت شجر الدر قد ولدت من الملك الصالح ولدا ومات صغيرا وكان اسمه خليل ، فسميت والدة خليل ، وكانت صورة علامتها على المناشير والتواقيع (والدة خليل).
ثم إن كبراء الدولة اتفقوا على إقامة عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحى في السلطنة لأنه إذا استقر أمر المملكة في امرأة على ما هو الحال تفسد الأمور ، فأقاموا أيبك المذكور وركب بالسناجق السلطانية وحملت الغاشية بين يديه يوم السبت آخر ربيع الآخر من هذه السنة ولقب الملك المعز وأبطلت السكة والخطبة التي كانت باسم شجر الدر.
ذكر استيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق
قال أبو الفداء وابن كثير : بعد أن وقع ما وقع بالديار المصرية من قتل الأمراء الملك المعظم تورانشاه أرسل المصريون رسولا إلى الأمراء القيمرية الذين بدمشق يطلبون منهم موافقتهم على عملهم فلم يجيبوهم إلى ذلك ، وكاتب الأمراء القيمرية الملك الناصر يوسف صاحب حلب فركب الحلبيون معهم ابن أستأذهم الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي ومن كان عندهم من ملوك بني أيوب ، منهم الصالح إسماعيل بن العادل وكان أحق الموجودين بالملك من حيث السن والقدر والحرمة والرياسة ، ومنهم الناصر داود بن المعظم بن العادل والأشرف موسى بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين شيركوه الذي كان صاحب حمص وغيرهم ، فجاؤوا إلى دمشق فحاصروها وملكوها سريعا ، ونهبت دار ابن يغمور وحبس بالقلعة وذلك لثمان مضين من ربيع الآخر من هذه السنة ، ولما استقر الناصر