وقال : وفي صفر ورد الخبر المبشر بنزول نور الدين من حلب للتوجه إلى دمشق ، ووصل إليها وحصل في قلعته سادس ربيع الأول سالما في نفسه وحملته ، ولقي بأحسن زي وترتيب وتجمل واستبشر العالم بمقدمه المسعود وابتهجوا وبالغوا في شكر الله تعالى على سلامته وعافيته والدعاء له بدوام أيامه ، وشرع في تدبير أمر الأجناد والتأهب للجهاد.
سنة ٥٥٤
ذكر مرض العادل نور الدين وما جرى بسبب ذلك
قال في الروضتين : في هذه السنة عرض لنور الدين مرض تزايد به بحيث أضعف قوته ، ووقع الإرجاف به من حساد دولته والمفسدين من عوام رعيته ، وارتاعت الرعايا وأعيان الأجناد وضاقت صدور قطان الثغور والبلاد خوفا عليه وإشفاقا من سوء يصل إليه لا سيما أخبار الروم والفرنج ، ولما أحس من نفسه بالضعف تقدم إلى خواص أصحابه وقال لهم : إنني قد عزمت على وصية إليكم بما وقع في نفسي فكونوا لها سامعين مطيعين وبشروطها عاملين ، إني مشفق على الرعايا وكافة المسلمين ممن يكون بعدي من الولاة الجاهلين والظلمة الجائرين ، وإن أخي نصرة الدين أعرف من أخلاقه وسوء أفعاله ما لا أرتضي معه بتولية أمر من أمور المسلمين ، وقد وقع اختياري على أخي قطب الدين مودود متولي الموصل لما يرجع إليه من عقل وسداد ودين وصحة اعتقاد. فحلفوا له وأنفذ رسله إلى أخيه بإعلامه صورة الحال ليكون لها مستعدا ، ثم تفضل الله تعالى بإبلاله من المرض وتزايد القوة في النفس والحس وجلس للدخول إليه والسلام عليه.
وكان الأمير مجد الدين النائب في حلب قد رتب في الطرقات من يحفظ السالكين فيها ، فظفر المقيم في منبج برجل حمال من أهل دمشق ومعه كتب فأنفذ بها إلى مجد الدين متولي حلب ، فلما وقف عليها أمر بصلب متحملها وأنفذها في الحال إلى نور الدين ، فوجدها من أمين الدين زين الحاج أبي القاسم متولي ديوانه ومن عز الدين والي القلعة مملوكه ومن محمد بن جفري أحد حجابه إلى أخيه نصرة الدين أمير أميران صاحب حران بإعلامه بوقوع اليأس من أخيه ويحضونه على المبادرة والإسراع إلى دمشق لتسلم إليه. فلما عرف نور الدين ذلك عرض الكتب على أربابها فاعترفوا بها فأمر باعتقالهم ، وكان رابعهم سعد الدين عثمان ، وكان قد خاف فهرب قبل ذلك بيومين.