هذا وقد نزلت فنون البلاء بالشام ، وهملت عيون العناء كالغمام ، وصار وشام الإسلام كالوشام ، وعرام الأنام في غرام ، وخفيت آثار المآثر ودرست ، وطفئت أنوار المنابر وطمست ، وحلبت العيون ماءها على حلب ، وسكبت الجفون دماءها من الصبب ، والتف عليها الختل والاختلال ، واحتف بها القتل والوبال ، واختطف من أعيانها الشموس والأقمار ، واقتطف من أغصانها نفائس النفوس والأعمار ، فستر سفور السرور ، ونشر ستور الشرور ، وتخربت الدور والقصور ، ونحرت الحور في النحور ، وجرت عيونها على أعيانها ، وهمت جفونها على شبانها ، بدموع جرت نجيعا ، لفظوع طرت سريعا. ونمى الطغيان والغش في روضة الشام ، وسما العدوان في عش بيضة الإسلام ، ورفعت الصلبان على المساجد ، ووضعت الأديان والمعابد ، حتى بكى على الوجود الجلمد ، وشكى إلى المعبود السرمد ، ولما تعظم العدو ، وتكبر وتقدم بالعتو وتجبر ، وبسط سيفه على الخافقين ، وهبط خوفه على المشرقين ، أطلع الله طلائع اللواء المظفر ، وأبدع مطالع السناء الأنور ، وخفقت الرايات والبنود ، وشرقت الآيات والسعود ، بانجذاب الكفار إلى كنعان ، وانسحاب الفجار إلى الهوان. وهي طويلة اه.
ذكر طرد التتر من نواحي الفرات عند البيرة
قال ابن كثير : في هذه السنة جهز السلطان الملك الظاهر عسكرا جما كثيفا إلى ناحية الفرات لطرد التتار النازلين بالبيرة ، فلما سمعوا بالعساكر الظاهرية قد أقبلت تولوا على أعقابهم منهزمين والحمد لله رب العالمين ، فطابت تلك الناحية وأمنت تلك المعاملة ، وقد كانت قبل ذلك لا تسكن من كثرة الفساد بها والخوف فعمرت وأمنت ولله الحمد اه.
ذكر تولية قضاة من المذاهب الأربعة
قال القطب اليونيني وابن كثير : في هذه السنة ولي من كل مذهب قاضي قضاة مستقل بالديار المصرية ، وسبب ذلك كثرة توقف قاضي القضاة تاج الدين في تنفيذ الأحكام وكثرت الشكاوي منه في يوم الاثنين ثاني عشر ذي الحجة ، فأشار الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي على السلطان بأن يولي من كل مذهب قاضي قضاة ، وكان يحب رأيه ومشورته ، فأجاب إلى ذلك ففعل كما ذكرنا ، وكان الأمير جمال الدين يكره القاضي