قال ابن شداد : ومرض السلطان بكفر زمار مرضا شديدا خاف من غائلته ، فرحل طالبا حران وهو مريض ، وكان يتجلد ولا يركب محفته ، فوصل وهو شديد المرض وبلغ إلى غاية الضعف وأيس منه وأرجف بموته ، ووصل إليه أخوه العادل من حلب ومعه الأطباء.
وكان ذلك سببا للصلح مع المواصلة. وبسط في الروضتين ما تقرر بينه وبينهم من الأمور قال : ولما امتد زمان مرضه أمر ببناء دار عند سرادقه فبنيت في أربعة أو خمسة أيام ، ثم آذن الله بالشفاء وسمى هذه الديار دار العافية للبرء فيها من سقامه ، ثم أخلاها لمن ينزل بها ضيفا وجعلها للآوين إليها وقفا.
سنة ٥٨٢
ذكر عود السلطان من حران إلى حلب وتوجهه منها إلى دمشق
قال القاضي ابن شداد : ولما وجد السلطان نشاطا من مرضه رحل يطلب جهة حلب ، وكان وصوله إليها رابع عشر محرم سنة اثنتين وثمانين ، وكان يوما مشهودا لشدة فرح الناس بعافيته ولقائه ، فأقام بها أربعة أيام ثم رحل نحو دمشق.
ذكر نقل الملك العادل من حلب إلى مصر
وتولية حلب للملك الظاهر غازي وشرح أسباب ذلك
قال القاضي ابن شداد : وفي سابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وصل الملك الأفضل علي (ابن السلطان صلاح الدين ونائبه بمصر) إلى دمشق ولم يكن قد رأى قبل ذلك الشام ، وكان السلطان رأى رواح الملك العادل إلى مصر فإنه كان آنس بأحوالها من الملك المظفر ، فما زال يفاوضه بذلك وهو على حران مريض ، وقد حصل ذلك في نفس الملك العادل ، فإنه كان يحب الديار المصرية ، فلما عاد السلطان إلى دمشق ومنّ الله بعافيته سير يطلب الملك العادل إلى دمشق ، فأقام بها في خدمة السلطان فجرت بينهما أحاديث ومراجعات في قواعد تقرر إلى جمادى الآخرة ، واستقرت القاعدة على عود الملك العادل إلى مصر وتسليم حلب إلى الظاهر. وكان الملك الظاهر والملك العزيز بدمشق في خدمة والدهما ، فلما استقرت القاعدة على عود الملك العادل إلى مصر استقرت على أن يكون أتابك الملك العزيز ويسلمه ولده يربي أمره ويسلم الملك العادل حلب إلى الملك