فضيلة وله معرفة بعلم السيمياء ، وبه تقدم عند الملك الظاهر غازي صاحب حلب واقام عنده وكان كثير الرعاية له وبنى له مدرسة بظاهر حلب ، وفي ناحية منها قبة وهو مدفون فيها ، وفي تلك المدرسة بيوت كتب على باب كل بيت منها ما يليق به ، ورأيته كتب على باب الميضاة : بيت المال في بيت الماء ، ورأيت في قبته معلقا عند رأسه غصنا وهو حلقة خلقية ليس فيه صنعة وهو أعجوبة ، وقيل إنه رآه في بعض سياحاته فاستصحبه وأوصى أن يكون عند رأسه ليعجب منه من يراه اه.
أقول : هي الآن خربة كما قال ، ولم يبق من المدرسة سوى أحجار بابها والمكان المدفون فيه أبو الحسن المذكور وحجرة بجانبه متوهنة والمدرسة داخل كرم أيضا ومكتوب على أحجار القبر (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) إلخ الآية ، والكتابات التي كانت عليها ذهب أكثرها ، والمكان كان قد خرب وأعيد بصورة بسيطة ، وبنوا بعضا من الكتابات في أماكن من الجدر كيفما اتفق فتشوهت وذهب رونقها ، وجميع المكان مشرف الآن على الخراب.
سنة ٦١٥
ذكر قصد كيكاوس حلب وطاعة صاحبها للأشرف وانهزام كيكاوس
قال ابن الأثير : في هذه السنة سار عز الدين كيكاوس بن كيخسرو ملك الروم إلى ولاية حلب قصدا للتغلب عليها ومعه الأفضل بن صلاح الدين يوسف ، وسبب ذلك أنه كان بحلب رجلان فيهما شر كثير وسعاية بالناس ، فكانا ينقلان إلى صاحبها الملك الظاهر ابن صلاح الدين عن رعيته ، فأوغرا صدره فلقي الناس منهما شدة ، فلما توفي الظاهر وولي الأمر شهاب الدين طغرل أبعدهما وغيرهما ممن يفعل فعلهما وسد هذا الباب على فاعليه ولم يطرق إليه أحد من أهله ، فلما رأى الرجلان كساد سوقهما لزما بيوتهما وثار بهما الناس وآذوهما وتهددوهما لما كانا أسلفاه من الشر ، فخافا ففارقا حلب وقصدا كيكاوس فأطمعاه فيها وقررا في نفسه أنه متى قصدها لا تثبت بين يديه وأنه يملكها ويهون عليه ملك ما بعدها ، فلما عزم على ذلك أشار عليه ذوو الرأي من أصحابه وقالوا له : لا يتم لك هذا إلا بأن يكون معك أحد من بيت أيوب ليسهل على أهل البلاد وجندها الانقياد إليه ، وهذا الأفضل بن صلاح الدين هو في طاعتك والمصلحة أنك تستصحبه معك وتقرر بينكما قاعدة فيما تفتحانه من البلاد ، فمتى كان معك أطاعك الناس وسهل عليك ما تريد.