مصر ، وتوفي العاضد (آخر الخلفاء العبيديين) بالقصر يوم عاشوراء ، وانقضت تلك الدولة بانتهاء ما دام لها من العصر ، وكان ذلك بأمر من الملك العادل نور الدين محمود ، وبسط في الروضتين الأخبار في ذلك.
ذكر اتخاذ نور الدين الحمام الهوادي
قال في الروضتين : في هذه السنة أمر الملك العادل نور الدين باتخاذ الحمام الهوادي وهي المناسيب التي تطير من البلاد البعيدة إلى أوكارها ، فاتخذت في سائر بلاده ، وكان سبب ذلك أنه اتسعت بلاده وطالت مملكته فكانت من حد النوبة إلى باب همذان لا يتخللها سوى بلاد الفرنج ، وكان الفرنج ربما نازلوا بعض الثغور فإلى أن يصله الخبر ويسير إليهم يكونون قد بلغوا بعض الغرض ، فحينئذ أمر بذلك وكتب به إلى سائر بلاده وأجرى الجرايات لها ولمربيها فوجد بها راحة كبيرة ، كانت الأخبار تأتيه لوقتها لأنه كان له في كل ثغر رجال مرتبون ومعهم من حمام المدينة التي تجاورهم ، فإذا رأوا أو سمعوا أمرا كتبوه لوقته وعلقوه على الطائر وسرحوه إلى المدينة التي هو منها في ساعة فتنقل الرقعة من طائر إلى طائر آخر من البلد الذي يجاورهم في الجهة التي فيها نور الدين ، وهكذا إلى أن تصل الأخبار إليه ، فانحفظت الثغور بذلك حتى إن طائفة من الفرنج نازلوا ثغرا له فأتاه الخبر ليومه فكتب إلى العساكر المجاورة لذلك الثغر بالاجتماع والمسير بسرعة وكبس العدو ففعلوا ذلك فظفروا والفرنج قد أمنوا لبعد نور الدين عنهم ، فرحم الله نور الدين ورضياللهعنه فما كان أحسن نظره للرعايا وللبلاد.
قال الجلال السيوطي في أواخر تاريخه حسن المحاضرة في فصل (ذكر الحمام الرسائل) : وفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة اعتنى الخليفة الناصر لدين الله بحمام البطاقة اعتناء زائدا حتى صار يكتب بأنساب الطير المحاضر أنه من ولد الطير الفلاني ، وقيل إنه بيع طير بألف دينار. وقد ألف القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في أمور هذه الحمام كتابا سماه «تمائم الحمائم» وذكر فيه فصلا فيما ينبغي أن يفعله المنطق وما جرت العادة به في ذلك (إلى أن قال) : والذي استقرت قواعد الملك عليه أن طائر البطاقة لا يلهو الملك عنه ولا يغفل ولا يمهل لحظة واحدة فيفوت مهمات لا تستدرك إما من واصل وإما