سنة ٦٨٠
ذكر الوقعة العظيمة مع التتر على حمص وانكسارهم عليها
قال أبو الفداء : في هذه السنة أعني سنة ثمانين وستمائة في شهر رجب كان المصاف العظيم بين المسلمين وبين التتار بظاهر حمص ، فنصر الله المسلمين بعد ما كانوا قد أيقنوا بالبوار ، وكان من حديث هذا المصاف العظيم أن أبغا بن هولاكو حشد وجمع وسار بهذه الحشود طالبا الشام ، ثم انفرد أبغا المذكور عنهم وسار إلى الرحبة وسيّر جيوشه وجموعه إلى الشام وقدم عليها أخاه منكوتمر بن هولاكو وسار إلى جهة حمص.
قال ابن كثير : لما اقترب مجيء التتار كتب السلطان المنصور قلاوون إلى مصر وغيرها من البلاد يستدعي الجيوش ، فدخل أحمد بن حجي ومعه بشر كثير من الأعراب ، وجاء صاحب الكرك المسعود نجدة للسلطان يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة وقدم الناس عليه ووفدوا إليه من كل جانب ، وجاءته التركمان والأعراب وكثرت الأراجيف بدمشق وكثرت العساكر بها وانجفل الناس من بلاد حلب وتلك النواحي وتركوا الغلات والأموال خوفا من أن يدهمهم العدو من التتار ، ووصلت التتر صحبة منكوتمر بن هولاكو إلى عين تاب وسارت العساكر المنصورة إلى نواحي حلب يتبع بعضها بعضا ، ونازلت التتر بالرحبة في أواخر جمادى الآخرة طائفة من الأعراب وكان فيهم ملك التتار أيضا مختفيا ينظر ماذا يصنع أصحابه وكيف يقاتلون أعداءه ، ثم خرج الملك المنصور من دمشق وكان خروجه منها في أواخر جمادى وقنت الخطباء والأئمة بالجوامع والمساجد وغيرها في الصلوات وغيرها ، ولما انتهى السلطان الملك المنصور إلى حمص كتب إلى الملك الكامل سنقر الأشقر يطلبه إليه نجدة ، فجاء إلى خدمته فأكرمه السلطان واحترمه ورتب له الإقامات وتكاملت الجيوش كلها في صحبة الملك المنصور عازمين على لقاء العدو لا محالة مخلصين في ذلك. واجتمع الناس بعد خروج السلطان في جامع دمشق ووضعوا المصحف العثماني بين أيديهم وجعلوا يبتهلون إلى الله تعالى في نصرة الإسلام وأهله على الأعداء ، وخرجوا كذلك والمصحف على رؤوسهم إلى المصلى يدعون ويبتهلون ويبكون ، وأقبلت التتار قليلا قليلا ، فلما وصلوا حماة أحرقوا بستان الملك وقصره وما هناك من المساكن والسلطان المنصور مخيم بحمص في عساكر من الأتراك والتركمان وغيرهم في جحفل كثير جدا ،