ومن الشام إلى مصر ، فوصلت التتار إلى حلب وقتلوا خلقا كثيرا ونهبوا شيئا كثيرا وظنوا أن جيش سنقر الأشقر يكون معهم على الملك المنصور قلاوون ، فوجدوا الأمر بخلاف ذلك ، وذلك أن المنصور كتب إلى سنقر الأشقر أن التتار قد أقبلوا إلى المسلمين والمصلحة أنا نتفق عليهم لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم ، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحدا. فكتب إليه سنقر بالسمع والطاعة ، وبرز من حصنه فخيم بجيشه ليكون على أهبة متى طلب أجاب ، ونزلت نوابه من حصونهم وبقوا مستعدين لقتال التتار. وخرج الملك من مصر في أواخر جمادى الأولى ومعه العساكر.
وفي يوم الجمعة الثالث من جمادى الآخرة قرىء على منبر جامع دمشق كتاب من السلطان أنه قد عهد بالملك إلى ابنه علي ولقب بالملك الصالح ، فلما فرغ من قراءة الكتاب جاءت البريدية فأخبروا برجوع التتر من حلب إلى بلادهم وذلك لما بلغهم من اتفاق كلمة المسلمين ، ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد.
وقال أبو الفداء في حوادث هذه السنة : إن الملك المنصور أرسل عسكرا إلى شيزر وهي لسنقر الأشقر وجرى بينهم مناوشة ، ثم إنه ترددت الرسل بين السلطان وبين سنقر الأشقر واحتاج السلطان إلى مصالحته لقوة أخبار التتر ووقع بينهم الصلح على أن يسلم شيزر إلى السلطان ويتسلم سنقر الأشقر الشغر وبكاس وكانتا قد ارتجعتا منه ، فتسلم نواب السلطان شيزر وتسلم الشغر وبكاس سنقر الأشقر وحلفا على ذلك واستقر الصلح بينهما اه. وتقدم أنه على إثر هذا الصلح عاد التتر من حلب.
وقال ابن إياس في حوادث هذه السنة : فيها جاءت الأخبار أن ملك التتار زحف على البلاد وأرسل أخاه منكوتمر في جاليش العسكر وقد وصلوا إلى حلب وملكوا ضياعها وأشرفوا على أخذ المدينة ، فلما بلغ الملك المنصور قلاوون الألفي ذلك خرج بنفسه هو والأمراء على جرائد الخيل ، فلما وصل إلى غزة جاءت الأخبار بأن منكوتمر أخا أبغا لما بلغه مجيء السلطان نهب البلاد وأحرق الضياع وقتل الرعية وآذى البرية ثم رجع إلى بلاده ، فلما بلغ السلطان رجع من غزة إلى القاهرة فجاءت الأخبار بأن التتار رجعوا إلى حلب وأفحشوا في حق الرعية أعظم ما فعلوا في الأول ، فخرج إليهم السلطان ثانيا وجد في السير فتلاقى مع عسكر التتار على المرج الأصفر فكان بينهما واقعة عظيمة وذلك في سنة ثمانين وستمائة.