من هارب وإما من متجدد في الثغور ، ولا يقلع البطاقة من الحمام إلا السلطان بيده من غير واسطة أحد ، فإن كان يأكل لا يمهل حتى يفرغ وإن كان نائما لا يمهل حتى يستيقظ بل ينبه. ثم ذكر ما قيل فيها من الشعر وما أنشأه القاضي الفاضل وغيره فيها من الرسائل. وذكر في الروضتين رسالة العماد الكاتب فيها ثم قال : وقد بلغني عن القاضي الفاضل رحمهالله تعالى أنه وصلها بألطف من هذه الأوصاف وأخصر فقال (الطيور ملائكة الملوك) يشير إلى أن نزولها على الملوك من جو الهواء نزول الملائكة على الأنبياء عليهمالسلام من السماء مع فرط ما فيها من الأمانة لا يتوهم من جهتها خيانة.
وقال في الزبد والضرب : اتخذ نور الدين الحمام الهوادي في سنة سبع وستين وخمسمائة وكتب بذلك إلى جميع البلاد فاتخذت في الأبراج وكتب منشورا لأربابها وإنذار أصحابها بالتهديد لمن اصطاد شيئا.
سنة ٥٦٨
ذكر ظفر مليح بن ليون بالروم
قال ابن الأثير : في هذه السنة في جمادى الأولى هزم مليح بن ليون الأرمني صاحب بلاد الدروب المجاورة لحلب عسكر الروم من القسطنطينية ، وسبب ذلك أن نور الدين كان قد استخدم مليحا المذكور وأقطعه إقطاعا سنيا ، وكان ملازم الخدمة لنور الدين ومشاهدا لحروبه مع الفرنج ومباشرا لها ، وكان هذا من جيد الرأي وصائبه ، فإن نور الدين لما قيل له في معنى استخدامه وإعطائه الإقطاع في بلاد الشام قال : أستعين به على قتال أهل ملته وأريح طائفة من عسكري تكون بإزائه لتمنعه من الغارة على البلاد المجاورة له. وكان مليح أيضا يتقوى بنور الدين على من يجاوره من الأرمن والروم ، وكانت مدينة آذنة والمصيّصة وطرسوس بيد ملك الروم صاحب القسطنطينية فأخذها مليح منهم لأنها تجاور بلاده ، فسير إليه ملك الروم جيشا كثيفا وجعل عليهم بعض أعيان البطارقة من أقاربه ، فلقيهم مليح ومعه طائفة من عسكر نور الدين فقاتلهم وصدقهم القتال وصابرهم ، فانهزمت الروم وكثر فيهم القتل والأسر ، وقويت شوكة مليح وانقطع أمل الروم من تلك البلاد ، وأرسل مليح إلى نور الدين من غنائمهم ومن الأسرى ثلاثين رجلا من مشهوريهم