أقول : قبلي حمام الناصري المعروفة الآن بحمّام اللبابيدية مسجد قديم بابه مؤلف من ثلاثة أحجار كبيرة بينه وبين الحمّام بضعة أذرع فيه قبلية وحجرات صغيرة مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء وحجرة واسعة فيها قبر أرغون المذكور عليه تابوت من حجارة كتب بعض الجهلة على الحجرة العليا منه (هذا ضريح الولي الزاهد العارف بالله تعالى صاحب الخيرات والمبرات الشيخ محمد بن عبد الله قويق الحافر المجري لنهر حلب الشهباء) والصواب أنه قبر أرغون الدوادار رحمهالله ، وهذه تربته التي ذكرها ابن الشحنة في الكلام على الترب.
ترجمته أيضا :
قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة : أرغون الدوادار اشتراه المنصور فرباه مع ولده الناصر محمد ولم يزل معه في خدمته حتى توجّه إلى الكرك وهو معه حتى عاد وهو ملازمه إلى أن ولاه نيابة السلطنة بالديار المصرية سنة ٧١٢ ، فسار سيرة حسنة إلى الغاية ، وكان يخلص الناس من شدائد يريد الناصر أن ينزلها بهم ، وحج سنة ١٥ وخلف السلطان لما حج سنة ١٩ ، ثم حج هو سنة عشرين ومشى من مكة إلى عرفة بمسكنة في هيئة الفقراء ، ثم في سنة ٢٦ بلغ الناصر أن مهنا يجهز للحج فأسرّ إلى أرغون أن يحج ويقبض على مهنا (١) ، فبلغ مهنا فتأخر عن الحج فاتهم الناصر أرغون بذلك ، فلما عاد قبض عليه واعتقله ثم أخرجه لنيابة حلب ، وكان قد اشتغل على مذهب الحنفية ومهر فيه إلى أن صار يعد من أهل الإفتاء ، وكانت له عناية بالكتب عظيمة جمع منها جمعا ما جمعه أحد من أبناء جنسه ، وكان الناس قد علموا رغبته في الكتب فهرعوا إليه بها. وكان خيرا ساكنا قليل الغضب حتى يقال إنه لم يسمع منه أحد في طول زمانه بمصر وحلب كلمة سوء. وكان للملك به جمال وكان له حضور على ابن الوكيل وعلى أبي حيان وابن سيد الناس وغيرهم. وأوصل بهمته نهر الساجور إلى البلد. قال الذهبي : كان تركيا فصيحا مليح الشكل شديد الحرص ، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة ٧٣١ اه.
__________________
(١) أمير العرب في البلاد الشامية.