لتلقيه ملك الأمراء وسائر الناس مشاة مكبرين مهللين ، ومنع أهل الذمة من الخروج معهم وكذلك المطربون ، وكان قبله الأمير سودي نائب حلب قصد سوقه وشرع فيه فقيل له : من ساقه يموت في عامه ، فتأخر عنه ، وقيل مثل ذلك لأرغون فقال : لا أرجع عن خير عزمت عليه ، فقدر الله أنه مرض قبل أربعين يوما ومات رحمهالله. وأنشد القاضي الفاضل شرف الدين الحسين بن ريان :
لما أتى نهر الساجور قلت له |
|
ماذا التأخر من حين إلى حين |
فقال أخرني ربي ليجعلني |
|
من بعض معروف سيف الدين أرغون |
وأنشد القاضي الفاضل بدر الدين الحسن بن حبيب رحمهالله فيه :
قد أضحت الشهباء تثني على |
|
أرغون في صبح وديجور |
من نهر الساجور أجرى بها |
|
للناس بحرا غير مسجور |
ودفن في تربته التي أنشأها بسوق الخيل بين بابي القوس ، وكان عمره نحو الخمسين ، اشتراه الملك المنصور قلاوون الصالحي صغيرا لولده الملك الناصر محمد وربي معه وكان معه بالكرك ، ثم ولاه نيابة الملك بمصر وربي بعد بيبرس الدويدار ست عشرة سنة كما تقدم ، ثم نقله إلى نيابة حلب ، ثم طلب الحضور فحضر واجتمع بالسلطان ثم تباكيا ، ثم عاد إلى حلب ومات بها ، وكان فقيها حنفيا ورعا أذن له بالإفتاء على مذهبه ، سمع صحيح البخاري على الشيخ أبي العباس أحمد بن الشحنة الحجّار ووزيرة بنت عمر بن أسعد بن المنجا بمصر في سنة خمس عشرة وسبعمائة بقراءة الشيخ أبي حيان وكتب بخطه مجلدا منه.
وقال أبو الفداء في حوادث هذه السنة : وفيها في صفر وصل نهر الساجور إلى نهر قويق وانصبا إلى حلب بعد غرامة أموال عظيمة ، وتعب من العسكر والرعايا بتولية الأمير فخر الدين طمان. وفي ربيع الأول ماث بحلب الأمير سيف الدين أرغون الناصري نائبها وخرجت جنازته بلا تابوت وعلى النعش كساء بالفقيري من غير ندب ولا نياحة ولا قطع شعر ولا لبس جل ولا تحويل سرج حسبما أوصى به ، ودفن بسوق الخيل تحت القلعة وعملت عليه تربة حسنة ولم يجعل على قبره سقف ولا حجرة بل التراب لا غير.
وكان متقنا لحفظ القرآن مواظبا على التلاوة ، عنده فقه وعلم ويرد أحكام الناس إلى الشرع الشريف ، حتى كان بعض الجهال ينكر عليه ذلك. وكتب صحيح البخاري بخطه بعد ما سمعه من الحجّار ، واقتنى كتبا نفيسة ، وكان عاقلا وفيه ديانة رحمهالله.