وفي هذه السنة كان وصولهم إلى بغداد وهدموا منها أركان الخلافة العباسية ونثروا عقدها وطمسوا محاسن بغداد ومدنيتها الزاهرة ومدارسها العامرة وقضوا على حياة بني العباس وشتتوا شمل من بقي منهم وهو القليل ، ووصل منهم إلى مصر المستنصر بالله أحمد أبو القاسم بن الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد كما سيأتي.
سنة ٦٥٧
رسالة هولاكو ملك التتر إلى الملك الناصر صاحب حلب
قال أبو الفرج الملطي في تاريخه مختصر الدول : وفي سنة سبع وخمسين وستمائة أرسل هولاكو إيلجية إلى الملك الناصر صاحب حلب برسالة يقول فيها :
يعلم الملك الناصر أننا نزلنا بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة وفتحناها بسيف الله تعالى وأحضرنا مالكها وسألناه مسألتين فلم يجب لسؤالنا فلذلك استوجب منا العذاب كما قال في قرآنكم (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) وصان المال فآل الدهر به إلى ما آل ، واستبدل النفوس النفسية بنقوش معدنية خسيسة ، وكان ذلك ظاهر قوله تعالى (وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) لأننا قد بلغنا بقوة الله الإرادة ونحن بمعونة الله تعالى في الزيادة ، ولا شك أنّا نحن جند الله في أرضه خلقنا وسلطنا على من حل عليه غضبه ، فليكن لكم فيما مضى معتبر ، وبما ذكرناه وقلناه مزدجر. فالحصون بين أيدينا لا تمنع ، والعساكر للقائنا لا تضر ولا تنفع ، ودعاؤكم علينا لا يستجاب ولا يسمع ، فاتعظوا بغيركم وسلموا إلينا أموركم قبل أن ينكشف الغطا ويحل عليكم الخطا ، فنحن لا نرحم من شكا ولا نرق لمن بكى ، قد أخربنا البلاد وأفنينا العباد وأيتمنا الأولاد وتركنا في الأرض الفساد. فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب ، فما لكم من سيوفنا خلاص ولا من سهامنا مناص. فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق. وعقولنا كالجبال وعددنا كالرمال. فمن طلب منا الأمان سلم. ومن طلب الحرب ندم. فإن أنتم أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا كان لكم مالنا وعليكم ما علينا ، وإن أنتم خالفتم أمرنا وفي غيكم تماديتم فلا تلومونا ولوموا أنفسكم. فالله عليكم يا ظالمين فهيئوا للبلايا جلبابا وللرزايا أترابا ، فقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر ، لأنكم أكلتم الحرام وخنتم الأيمان وأظهرتم البدع واستحسنتم الفسق بالصبيان ، فأبشروا بالذل