أن يملكوها لعلمه أنه لا طاقة له بهم ، ثم صارت التتار يتخطفون ويتنقلون إلى سنة خمس عشرة.
قال ابن خلدون : وفي هذه السنة أي سنة ٦١٥ لما استقر السلطان محمد بن تكش الخوارزمي بنيسابور وفدت عليه رسل جنكز خان بهدية من المعدنين ونوافج المسك وحجر اليشم والثياب الطائية التي تنسج من وبر الإبل البيض ويخبر أنه ملك الصين وما يليها من بلاد الترك ويسأل الموادعة والإذن للتجار من الجانبين في التردد في متاجرهم ، وكان في خطابه إطراء السلطان بأنه مثل أعز أولاده ، فاستنكف السلطان من ذلك واستدعى محمودا الخوارزمي من الرسل واصطنعه ليكون عينا له على جنكز خان واستخبره على ما قاله في كتابه من ملكه الصين واستيلائه على مدينة طمغاج ، فصدق ذلك وأنكر عليه الخطاب بالولد ، وسأله عن مقدار العساكر فغشه وقللها ، وصرفهم السلطان بما طلبوه من الموادعة والإذن للتجار ، فوصل بعض التجار من بلادهم إلى إنزار وبها ينال خان ابن خال السلطان في عشرين ألفا من العساكر فشره إلى أموالهم وخاطب السلطان بأنهم عيون وليسوا بتجار ، فأمره بالاحتياط عليهم فقتلهم خفية وأخذ أموالهم ، وفشى الخبر إلى جنكز خان فبعث بالنكير إلى السلطان في نقض العهد وإن كان فعل ينال افتياتا ، فبعث إليه يتهدده على ذلك فقتل السلطان الرسل ، وبلغ الخبر إلى جنكز خان فسار في العساكر واعتزم السلطان أن يحصن سمرقند بالأسوار فجبى لذلك خراج سنتين وجبى ثالثة استخدم بها الفرسان ، وسار إلى أحياء جنكز خان فكبسهم وهو غائب عنها في محاربة كشلوخان فغنم ورجع ، واتبعهم ابن جنكز خان فكانت بينهم واقعة عظيمة هلك فيها كثير من الفريقين ، ولجأ خوارزم شاه إلى جيحون فأقام عليه ينتظر شأن التتر ، ثم عاجله جنكز خان فأجفل وتركها وفرق عساكره في مدن ما وراء النهر إنزار وبخارى وسمرقند وترمذ وجند وأنزل آبنايخ من كبراء أمرائه وحجاب دولته في بخارى ، وجاء جنكز خان إلى إنزار فحاصرها وملكها غلابا وأسر أميرها ينال خان الذي قتل التجار وأذاب الفضة في أذنيه وعينيه ، ثم حاصر بخارى وملكها على الأمان وقاتلوا معه القلعة حتى ملكوها ، ثم غدر بهم وقتلهم وسلبهم وخربها ، ورحل جنكز خان إلى سمرقند ففعلوا فيها مثل ذلك سنة تسع عشرة وستمائة.
ثم ذكر ابن خلدون وابن الأثير وغيره تقلبهم في البلاد واكتساحهم لها وتخريبها وقتلهم لأهاليها وارتكابهم لفظائع تنفطر منها القلوب وتبكي منها العيون دماء.