أرغون الدودار الناصري المذكور يطيّب خاطر قراسنقر ويحلف له على عدم توهمه ويسكنه ويثبت جأشه حتى وصل إلى حلب وركبت العساكر المقيمون بحلب لملتقاه ، فالتقيناه ودخل حلب في يوم الاثنين ثامن عشر محرم من هذه السنة واستقر في نيابة السلطنة بحلب وأعطى المقر السيفي أرغون الناصري عطاء جزيلا وسفره ، وسار المقر السيفي أرغون المذكور من حلب يوم الأربعاء لعشرين من المحرم وتوجه إلى الديار المصرية ، فأقمنا بعد ذلك مدة ثم ورد الدستور إلى العساكر المقيمة بحلب فسرنا منها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر عائدين إلى أوطاننا.
ذكر مسير قراسنقر إلى الحجاز وإظهاره العصيان وقصده حلب
قال أبو الفداء : وفي هذه السنة سأل قراسنقر دستورا إلى الحجاز الشريف لقضاء حجة الفرض ، فرسم له السلطان بذلك فعمل شغله وسار من حلب في أوائل شوال من هذه السنة ، ولم يسر على الطريق وسار على طرف البلاد من شرقيها حتى وصل إلى بركة زيزا فحصل عنده التخيّل والخوف من الركب المصري لئلا يقبضوا عليه في الحجاز ، فعاد من بركة زيزا على البرية وسار على البر إلى أركة والسخنة ثم إلى بر حلب واجتمع مع مهنّا ابن عيسى أمير العرب ، واتفقا على المشاققة والعصيان ، وقصد قراسنقر حلب ليستولي عليها فاجتمع العسكر والأمراء الذين بها ومنعوه من الدخول إليها. ووصل من صدقات السلطان إلى قراسنقر ومهنّا ما يطيب خاطرهما فلم يرجعا عن ضلالهما وأصرّا على ذلك ، فجرد السلطان عسكرا مع المقر السيفي أرغون الدوادار الناصري ومع الأمير حسام الدين قرالاجين بسبب قراسنقر المذكور بحيث إن رجع عن الشقاق والنفاق يقرر أمره في مكان يختاره وإن لم يرجع عن ذلك يقصده العسكر حيث كان. ووصل العسكر المذكور إلى حماة سادس ذي الحجة. وسرت بصحبتهم في عسكر حماة وتوجهنا إلى البرية بالخام بالقرب من الزرقا حادي عشر ذي الحجة ، فاندفع قراسنقر إلى الفرات وأقام هناك وافترقت مماليكه ، فبعضهم سار إلى التتر وبعضهم قدم إلى الطاعة. ثم توجه قراسنقر إلى جهة مهنّا فعادت العساكر من الخام إلى حلب ، وكان دخولنا إليها رابع عشر ذي الحجة من السنة ، ثم كان ما سنذكره إن شاء الله تعالى.