جيشا فحصروها ، وقد بلغ الجهد منهم بحصار الفرنج وصاروا كأنهم طلائع ، وكان قد قتل من أهلها وجرح كثير ، فسلموا القلعة إلى الملك الصالح فاستناب بها مملوكا كان لأبيه اسمه سرخك اه.
سنة ٥٧٥
ذكر محاصرة قليج أرسلان لرعبان ثم انهزامه من تقي الدين عمر
قال في الروضتين : قال ابن أبي طي : اتصل بالسلطان صلاح الدين أن قليج أرسلان قد طمع في أخذ رعبان وكيسون ، فلما دخل دمشق وصله رسوله يطلبهما منه ويدعي أن نور الدين بن زنكي اغتصبهما منه وأن الملك الصالح قد أنعم عليه ، فاغتاظ السلطان وزجر الرسول وتوعد صاحبه ، فعاد الرسول وأخبر قليج أرسلان ، فغضب وسير عسكرا إلى رعبان فحاصرها ، وسمع السلطان فندب تقي الدين عمر في ثمانمائة فارس فسار ، فلما قارب رعبان أخذ معه جماعة من أصحابه مقدار مائتي فارس ، وتقدم عسكره وسار حتى أشرف على عسكر قليج أرسلان ليلا فرآهم وقد سدوا الفضاء وهم قارون آمنون وادعون ، فقال تقي الدين لأصحابه : هؤلاء على ما ترون من الطمأنينة والأمن والغفلة وقد رأيت أن نحمل الساعة فيهم بعد أن نتفرق في جوانب عسكرهم ونصيح فيهم فإنهم لا يثبتون لنا ، فأجابوه إلى ذلك فأنفذ واحدا من أصحابه إلى باقي عسكره وأمرهم أن يتفرقوا أطلابا وأن يجعل في كل طلب قطعة من الكوسات والبوقات ، فإذا سمعوا الضجة ضربوا بكوساتهم وبوقاتهم وجدوا في السير حتى يلحقوا به ، ففعلوا ما أمرهم ، ثم إنه حمل في عسكر قليج أرسلان وخرج أصحابه في جوانبه ، وكان عدة عسكر قليج أرسلان ثلاثة آلاف فارس ، فلما سمعوا الضجة وحس الكوسات والبوقات وشدة وقع حوافر الخيل وجلبة الرجال واصطكاك أجرام الحديد هالهم ذلك وظنوا أن قد فوجئوا بعالم عظيم ، فلم يكن لهم إلا أن جالوا في كواثب خيولهم عريا وطلبوا النجاة وأخذتهم السيوف فتركوا خيامهم وأثقالهم بحالها ، وأكثر تقي الدين فيهم القتل والأسر وحصل على جميع ما تركوه ، فلما أصبح جمع المأسورين ومن عليهم بأموالهم وكراعهم وسرحهم إلى بلادهم اه.