وورد في الحال كتاب صاحب قلعة جعبر يخبر بقطع نصرة الدين الفرات مجدا إلى دمشق ، فأنهض أسد الدين في العسكر المنصور لرده ومنعه من الوصول ، فاتصل به خبر عوده إلى مقره عند معرفته بعافية أخيه ، فعاد أسد الدين إلى دمشق ، ووصلت رسل الملك العادل من ناحية الموصل بجواب ما تحمله إلى أخيه قطب الدين وفارقوه وقد برز في عسكره متوجها إلى ناحية دمشق ، فلما فصل عن الموصل اتصل به خبر عافيته فأقام بحيث هو وأنفذ وزيره جمال الدين أبا جعفر محمد بن علي لكشف الحال ، فوصل إلى دمشق ثامن صفر في أحسن زي وأبهى تجمل ، وخرج إلى لقائه الخلق الكثير.
قال : وهذا الوزير قد ألهمه الله تعالى من جميل الأفعال وحميد الخلال وكرم النفس وإنفاق أمواله في أبواب البر والصدقات والصلات ومستحسن الآثار في مدينة الرسول عليهالسلام ومكة ذات الحرم والبيت المعظم شرفه الله تعالى ما قد شاع ذكره وتضاعف عليه حمده وشكره (١) واجتمع مع نور الدين وجرى بينهما من المفاوضات والتقريرات ما انتهى إلى عوده إلى جهته بعد الإكرام له وتوفيته حقه من الاحترام ، وأصحبه برسم قطب الدين أخيه وخواصه من الملاطفة ما اقتضته الحال الحاضرة ، وتوجه معه الأمير أسد الدين.
وقال ابن أبي طي : لما وصل الوزير جمال الدين إلى حلب تلقاه موكب نور الدين وفيه وجوه الدولة وكبراء المدينة وأنزل في دار ابن الصوفي وأكرم غاية الإكرام وأعيد إلى صاحبه شاكرا عن نور الدين ، وسير معه الأمير أسد الدين شيركوه رسولا إلى قطب الدين بالشكر له والثناء وأنفذت معه هدايا سنية ، فسار وعاد إلى حلب مكرما ، فوجد نور الدين عازما على الخروج إلى دمشق لما بلغه من إفساد الفرنج. ثم أنهض أسد الدين في قطعة من العسكر للإغارة على صيدا ، فسار ومعه أخوه نجم الدين أيوب وأولاده ولم يشعر الفرنج إلا وهو قد عاث في بلد صيدا وقتل وأسر عالما عظيما وغنم غنيمة جليلة ، وعاد فاجتمع بنور الدين على جسر الخشب. قلت : وهذا هو ما تقدم ذكره بعد المرضة الأولى ، وكأن ابن أبي طي جعل المرضتين واحدة بحلب وأبو يعلى ذكر أن الأولى بحلب والثانية بدمشق وهو أصح اه.
__________________
(١) انظر ترجمته في ابن الأثير في حوادث سنة ٥٥٩ وفي ابن خلكان وفي الروضتين.