ذكر فتح درب ساك
قال ابن الأثير : لما فتح صلاح الدين حصن برزية رحل عنه من الغد فأتى جسر الحديد وهو على العاصي بالقرب من أنطاكية فأقام عليه حتى وافاه من تخلف عنه من عسكره ، ثم سار عنه إلى قلعة درب ساك فنزل عليها ثامن رجب ، وهي من معاقل الداوية الحصينة وقلاعهم التي يدخرونها لحماياتهم عند نزول الشدائد ، فلما نزل عليها نصب المنجنيقات وتابع الرمي بالحجارة ، فهدمت من سورها شيئا يسيرا فلم يبال من فيه بذلك ، فأمر بالزحف عليها ومهاجمتها ، فبادرها العسكر بالزحف وقاتلوها وكشفوا الرجال عن سورها ، وتقدم النقّابون فنقبوا منها برجا وعلقوه فسقط واتسع المكان الذي يريد المقاتلة أن يدخلوا منه ، وعادوا يومهم ذلك ، ثم باكروا الزحف من الغد ، وكان من فيه قد أرسلوا إلى صاحب أنطاكية يستنجدونه فصبروا وأظهروا الجلد وهم ينتظرون جوابه إما بإنجادهم وإزاحة المسلمين عنهم وإما بالتخلي عنهم ليقوم عذرهم في التسليم ، فلما علموا عجزه عن نصرتهم وخافوا هجوم المسلمين عليها وأخذهم بالسيف وقتلهم وأسرهم ونهب أموالهم طلبوا الأمان فأمّنهم على شرط أن لا يخرج أحد إلا بثيابه التي عليه بغير مال ولا سلاح ولا أثاث بيت ولا دابة ولا شيء مما بها ، ثم أخرجهم منه وسيّرهم إلى أنطاكية ، وكان فتحه تاسع عشر رجب.
وقال القاضي ابن شداد : كان فتحها في الثاني والعشرين منه ، وأعطاها علم الدين سليمان بن جندر وسار عنها في الثالث والعشرين منه اه.
ذكر فتح بغراس
قال ابن الأثير : ثم سار عن درب ساك إلى قلعة بغراس فحصرها بعد أن اختلف أصحابه في حصرها ، فمنهم من أشار ومنهم من نهى عنه. وقال : هو حصن حصين وقلعة منيعة وهو بالقرب من أنطاكية ولا فرق بين حصره وحصرها ، ويحتاج أن يكون أكثر العسكر في اليزك مقابل أنطاكية ، فإذا كان الأمر كذلك قل المقاتلون عليها ويتعذر الوصول إليها ، فاستخار الله تعالى وسار إليها وجعل أكثر عسكره يزكا مقابل أنطاكية يغيرون على أعمالها ، وكانوا حذرين من الخوف من أهلها إن غفلوا لقربهم منها ، وصلاح الدين في بعض أصحابه على القلعة يقاتلها ، ونصب المنجنيقات فلم يؤثر فيها شيئا لعلوها