له ، وهي تقابل حصن أفامية وتناصفها في أعمالها وبينهما بحيرة تجتمع من ماء العاصي وعيون تتفجر من جبل برزية وغيره. قال القاضي ابن شداد : ثم سير السلطان جريدة إلى قلعة برزية ، وهي قلعة حصينة في غاية القوة والمنعة على سن جبل شاهق يضرب بها المثل في جميع بلاد الفرنج والمسلمين ، تحيط بها أودية من سائر جوانبها ، وذرع علوها كان خمسمائة ذراع ونيفا وسبعين ذراعا ، ثم جدد عزمه على حصارها بعد رؤيتها واستدعى الثقل ، وكان نزول الثقل وبقية العسكر تحت جبلها في الرابع والعشرين من الشهر. وفي بكرة الخامس والعشرين منه صعّد السلطان جريدة مع المقاتلة والمنجنيقات وآلات الحصار إلى الجبل فأحدقت بالقلعة من سائر نواحيها وركب القتال من كل جانب وضرب أسوارها بالمنجنيقات المتواترة الضرب ليلا ونهارا. وفي السابع والعشرين قسم العساكر ثلاثة أقسام ورتب كل قسم يقاتل شطرا من النهار ثم يستريح ويسلم القتال للقسم الآخر بحيث لا يفتر القتال عنها ، وكان صاحب النوبة الأولى عماد الدين صاحب سنجار فقاتلها قتالا شديدا حتى استوفى نوبته وضرس الناس من القتال وتراجعوا ، واستلم النوبة الثانية السلطان بنفسه وركب وتحرك خطوات وصاح في الناس فحملوا عليها حملة الرجل الواحد وصاحوا صيحة الرجل الواحد ، وقصدوا السور من كل جانب ، فلم يكن إلا بعض ساعة حتى رقي الناس على الأسوار وهجموا القلعة وأخذت القلعة عنوة فاستغاثوا الأمان ، وقد تمكنت الأيدي منهم (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ونهب جميع ما فيها وأسر من فيها ، وكان قد أوى إليها خلق عظيم ، وكانت من قلاعهم المذكورة ، وكان يوما عظيما ، وعاد الناس إلى خيامهم غانمين وعاد السلطان إلى الثقل فرحا مسرورا وأحضر بين يديه صاحب القلعة ، وكان رجلا كبيرا منهم ، وكان هو ومن أخذ من أهله سبعة عشر نفسا ، فمنّ عليهم ورقّ لهم وأنفذهم إلى صاحب أنطاكية استمالة له فإنهم كانوا يتعلقون به ومن أهله اه.
وبسط ابن الأثير خبر فتحها بأكثر من ذلك وقال في الآخر : وأما صاحب برزية فإنه أسر هو وأصحابه وامرأته وأولاده ومنهم بنت له معها زوجها فتفرقهم العسكر ، فأرسل صلاح الدين في الوقت وبحث عنهم واشتراهم وجمع شمل بعضهم ببعض ، فلما قارب أنطاكية أطلقهم وسيرهم إليها ، وكانت امرأة صاحب برزية أخت امرأة بيمند صاحب أنطاكية وكانت تراسل صلاح الدين وتعلمه كثيرا من الأحوال التي تؤثر فأطلق هؤلاء لأجلها اه.