أصحابه منهزمين لم يثبت بل ولى على أعقابه يطوي المراحل إلى بلاده خائفا يترقب ، فلما وصل إلى أطرافها أقام ، وإنما فعل هذا لأنه صبي وغر لا معرفة له بالحرب ، وإلا فالعساكر ما برحت تقع مقدماتها بعضها على بعض ، فسار حينئذ الأشرف فملك رعبان وحصر تل باشر وبها جمع من عسكر كيكاوس جعلهم في دار وأحرقها عليهم فهلكوا ، فعظم ذلك على الناس كافة واستقبحوه واستضعفوه ، لا جرم لم يمهله الله تعالى وعجل عقوبته للؤم قدرته وشدة عقوبته ولعدم الرحمة في قلبه ، ومات عقيب هذه الحادثة. وسلم الأشرف تل باشر وغيرها من بلد حلب إلى شهاب الدين أتابك صاحب حلب وكان عازما على اتباع كيكاوس ويدخل بلاده ، فأتاه الخبر بوفاة أبيه الملك العادل فاقتضت المصلحة العود إلى حلب لأن الفرنج بديار مصر ، ومثل ذلك السلطان العظيم إذا توفي ربما جرى خلل في البلاد لا تعرف العاقبة فيه فعاد إليها وكفى كل منها أذى صاحبه.
زيادة بيان لهذه الحوادث
قال أبو الفدا : لما مات الملك الظاهر صاحب حلب وأجلس ابنه العزيز في المملكة وكان طفلا طمع صاحب بلاد الروم كيكاوس في الاستيلاء على حلب ، فاستدعى الملك الأفضل صاحب سميساط واتفق معه كيكاوس أن يفتح حلب وبلادها ويسلمها إلى الملك الأفضل ، ثم يفتح البلاد الشرقية التي بيد الملك الأشرف بن الملك العادل ويتسلمها كيكاوس ، وتحالفا على ذلك ، وسار كيكاوس إلى جهة حلب ومعه الملك الأفضل ، ووصلا إلى رعبان واستولى عليها كيكاوس وسلمها إلى الملك الأفضل فمالت إليه قلوب أهل البلاد لذلك ، ثم سار إلى تل باشر وبها ابن دلدرم ففتحها ولم يسلمها إلى الملك الأفضل وأخذها كيكاوس لنفسه ، فنفر خاطر الملك الأفضل وخواطر أهل البلاد بسبب ذلك ، ووصل الملك الأشرف بن العادل إلى حلب لدفع كيكاوس عن البلاد ووصل إليه بها الأمير مانع ابن حديثة أمير العرب في جمع عظيم ، وكان قد سار كيكاوس إلى منبج وتسلمها لنفسه أيضا ، وسار الملك الأشرف بالجموع التي معه ونزل وادي بزاعا ووقع بعض عسكره مع مقدمة عسكر كيكاوس ، فانهزمت مقدمة عسكر كيكاوس وأخذ من عسكر كيكاوس عدة أسرى فأرسلوا إلى حلب ودقت البشائر لها ، ولما بلغ ذلك كيكاوس وهو بمنبج ولى منهزما مرعوبا وتبعه الملك الأشرف يتخطف أطراف عسكره ، ثم حاصر الأشرف تل باشر واسترجعها ، وكذلك استرجع رعبان وغيرها. وتوجه الملك الأفضل إلى