الأنوف ، فإذا عاد فرسانهم من إثر المنهزمين لم يلقوا راجلا يلجؤون إليه ويعود المنهزمون في آثارهم وتأخذهم سيوف الله من بين أيديهم ومن خلفهم ، فكان الأمر على ما دبروا ، فإن الفرنج لما تبعوا المنهزمين عطف زين الدين في عسكر الموصل على راجلهم فأفناهم قتلا وأسرا وعادت خيالتهم ولم يمعنوا في الطلب خوفا على راجلهم من الطلب ، فصادفوا راجلهم على الصعيد معفرين وبدمائهم مضرجين ، فسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا وحضعت رقابهم وذلوا ، فلما رجعوا عطف المنهزمون أعنتهم وعادوا فبقي العدو في الوسط وقد أحدق بهم المسلمون من كل جانب ، فحينئذ حمي الوطيس وحاربوا حرب من أيس من الحياة ، وانقضّت العساكر الإسلامية عليهم انقضاض الصقور على بغاث الطيور ، فمزقوهم بددا وجعلوهم قددا ، فألقى الفرنج بأيديهم إلى الإسار وعجزوا عن الهزيمة والفرار ، وأكثر المسلمون فيهم القتل وزادت عدة القتلى على عشرة آلاف ، وأما الأسرى فلم يحصوا كثرة ، ويكفيك دليلا على كثرتهم أن ملوكهم أسروا وهم الذين ذكروا من قبل. وسار نور الدين بعد الكسرة إلى حارم فملكها في الحادي والعشرين من رمضان ، وأشار أصحابه عليه بالمسير إلى أنطاكية ليملكها لخلوها ممن يحميها ويدفع عنها ، فلم يفعل ، وقال : أما المدينة فأمرها سهل. وأما القلعة التي لها فهي منيعة لا تؤخذ إلا بعد طول حصار ، وإذا ضيقنا عليهم أرسلوا إلى صاحب القسطنطينية وسلموها إليه ، ومجاورة بيمند أحب إلي من مجاورة ملك الروم ، وبث سراياه في تلك الأعمال والولايات فنهبوا وسلبوا وأوغلوا في البلاد حتى بلغوا اللاذقية والسويدا وغير ذلك وعادوا سالمين. ثم إن نور الدين أطلق بيمند صاحب أنطاكية بمال جزيل أخذه منه وأسرى كثيرة من المسلمين أطلقهم. وقال الحافظ أبو القاسم : كسر نور الدين الروم والأرمن والفرنج على حارم وكان عدتهم ثلاثين ألفا. قال : ووقع بيمند في أسره في نوبة حارم وباعه نفسه بمال عظيم أنفقه في الجهاد. قلت : وبلغني أن نور الدين رحمهالله لما التقى الجمعان أو قبيله انفرد تحت تل حارم وسجد لربه عزوجل ومرغ وجهه وتضرع وقال : يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك فانصر أولياءك على أعدائك أيش فضول محمود في الوسط ، يشير إلى أنك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت ، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر. وبلغني أنه قال : اللهم انصر دينك ولا تنصر محمود ، من هو محمود الكلب حتى ينصر. وجرى بسبب ذلك منام حسن نذكره في أخبار سنة خمس وستين عند رحيل الفرنج عن دمياط