ومنه يظهر جواب آخر عما دلّ على حصول الغروب بالاستتار من الإِطلاقات ، لعدم صدقه قطعاً بمجرد غيبتها عن النظر مع رؤية شعاعها على قلل الجبال .
والعجب عن غفلة هؤلاء الجماعة من قول المبسوط هذا ، وزعمهم موافقتهم له ، وتفريعهم ما مرّ نقله عن التذكرة عليه (١) ، مع أنّ عبارته كما عرفت صريحة في خلاف ما زعموه ، ولعلّه لذا قال في الذخيرة بعد قوله حسن : وإن أمكن المنازعة فيه ، وليت شعري كيف حسّنه مع إمكان المنازعة ؟ ومع ذلك فالظاهر أنّ وجه المنازعة إنّما هو ظهور عبارة المبسوط والنصوص الأخيرة في خلاف ما حسّنه ، وهو الاكتفاء بالغيبة عن النظر ، وعدم البأس برؤية الشعاع على الجبل ، وهذا كيف يمكن احتماله فضلاً عن المصير إليه ، مع ضعف النصوص الدالّة عليه ، وعدم جابر لها بالكليّة ، ومخالفته الْاُصول والأخبار المتواترة حتى الأخبار التي استدل بها على مذهبه (٢) ، لما عرفت من عدم صدق الغيبة والاستتار
___________________
(١) راجع ص ٢٠٥ .
(٢) في حاشية « ش » و « ح » : منها الصحيح : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ، ومضى صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً » الوسائل ٤ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٧ .
وقد حمله الأصحاب على ما حملوا عليه سائر الأخبار التي بمضمونها من أنّ المراد بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة كما فسّرت به بعض المعتبرة .
ولكن ظاهر شيخنا البهائي في الحبل المتين إباء هذا الصحيح عن ذلك الحمل ، ولعلّه لقوله : « فإن رأيته بعد ذلك » وذلك فإنّ المراد لو كان بغيبوبة القرص ذهاب الحمرة لما أمكن رؤيتها بعد ذلك ، فكيف يقول بعد ذلك : « فإن رأيته » .
وفيه نظر ؛ لأنّ ذلك إنّما يتوجّه لو اختصّت الرواية بصورة الصحو وخلوّ السماء عن الغيم ، وليست مختصّة بها ، بل هي مطلقة يمكن تقييدها بصورة الغيم ، ويكون محصّله : إنّ علامة الغروب غيبوبة الحمرة المشرقية ، فإذا اشتبهت عليك كالغيم أو حجاب فظننت أنّها قد ذهبت ثم ظهر خلافه برؤيته صحّ صومك ، وبهذا صرّح في الوافي ، مع أنّه من أهل هذا القول ، أي القول الثاني فيه وفي المفاتيح ، فمع هذا الاحتمال كيف تكون الرواية تأبى عن هذا الحمل ولم تقبله .
=