الله والجهاد في سبيل الله ، أهو لقوم لا يحل إلّا لهم ولا يقوم به إلّا من كان منهم ، أم هو مباح لكلّ من وحّد الله ـ عزّ وجلّ ـ وآمن برسوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ومن كان كذا ، فله أن يدعو إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟
فقال : ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم ، ولا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.
قلت : من أولئك؟
قال : من قام بشرائط الله ـ تعالى ـ في القتال والجهاد على المجاهدين ، فهو المأذون له في الدّعاء إلى الله. ومن لم يكن قائما بشرائط الله في الجهاد على المجاهدين ، فليس بمأذون له في الجهاد ولا إلى (١) ولا الدّعاء إلى الله حتّى يحكّم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد.
قلت : فبيّن لي ، يرحمك الله.
قال : الله ـ تبارك وتعالى ـ أخبر [نبيّه] (٢) في كتابه الدّعاء إليه ، ووصف الدّعاة إليه. فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ، ويستدلّ ببعضها على بعض. فأخبر أنّه ـ تبارك وتعالى ـ أوّل من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره.
إلى قوله : ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه ، فقال : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
ثمّ أخبر عن هذه الأمة وممّن هي ، وأنها من ذرّيّة إبراهيم ومن ذرّيّة إسماعيل ، من سكّان الحرم ، ممّن لم يعبدوا غير الله قطّ ، الّذين وجبت لهم دعوة إبراهيم وإسماعيل ، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا ، الّذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة محمّد (٣) ، الّذين عناهم الله ـ تبارك وتعالى ـ في قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ، يعني : أوّل من اتّبعه على الإيمان به والتصديق له بما جاء من عند الله ـ عزّ وجلّ ـ من أمّته التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ، ممّن لم يشرك بالله قطّ ولم يلبس إيمانه (٤) بظلم وهو الشّرك.
__________________
(١) المصدر : «ولا» بدل «ولا إلى ولا».
(٢) من المصدر. ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.
(٣) بعض نسخ المصدر : «إبراهيم» بدل «محمد».
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولم يلبسوا إيمانهم.