أصل باب الفاعل ؛ فلذلك جاز حذفه ، وعن الأخفش ذكر في «المسائل» أنهم قالوا : «قاموا أنفسهم» من غير تأكيد ، وفائدة التوكيد هنا أن يباشرن التربّص هنّ ، لا أنّ غيرهنّ يباشرنهنّ التّربّص ؛ ليكون ذلك أبلغ في المراد.
فإن قيل : القروء : جمع كثرة ، ومن ثلاثة إلى عشرة يميّز بجموع القلة ولا يعدل عن القلة إلى ذلك ، إلا عند عدم استعمال جمع قلّة غالبا ، وههنا فلفظ جمع القلّة موجود ، وهو «أقراء» ، فما الحكمة بالإتيان بجمع الكثرة مع وجود جمع القلّة؟. فيه أربعة أوجه :
أوّلها : أنه لمّا جمع المطلّقات جمع القروء ، لأنّ كلّ مطلقة تترّبص ثلاثة أقراء ؛ فصارت كثيرة بهذا الاعتبار.
والثاني : أنه من باب الاتساع ، ووضع أحد الجمعين موضع الآخر.
والثالث : أنّ «قروءا» جمع «قرء» بفتح القاف ، فلو جاء على «أقراء» لجاء على غير القياس ؛ لأنّ أفعالا لا يطّرد في فعل بفتح الفاء.
والرابع ـ وهو مذهب المبرّد ـ : أنّ التقدير «ثلاثة من قروء» ، فحذف «من» ، وأجاز : ثلاثة حمير وثلاثة كلاب ، أي : من حمير ، ومن كلاب ، وقال أبو البقاء (١) : وقيل : التقدير «ثلاثة أقراء من قروء» وهذا هو مذهب المبرّد بعينه ، وإنما فسّر معناه وأوضحه.
فصل
اعلم أن المطلّقة هي المرأة الّتي وقع عليها الطّلاق ، وهي إمّا أن تكون أجنبية أو منكوحة.
فإن كان أجنبية ، فإذا وقع الطّلاق عليها فهي مطلّقة بحسب اللّغة ، لكنّها غير مطلّقة بحسب عرف الشّرع ، والعدّة غير واجبة عليها بالإجماع.
وأما المنكوحة : فإن لم يكن مدخولا بها ، لم تجب عليها العدّة ؛ لقوله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) [الأحزاب : ٤٩] ، وإن كانت مدخولا بها : فإن كانت حاملا ، فعدّتها بوضع الحمل ؛ لقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤] ، وإن كانت حائلا ؛ فإن امتنع المحيض في حقّها لصغر مفرط أو كبر مفرط ، فعدّتها بالأشهر ؛ لقوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤].
وإن لم يمتنع الحيض في حقّها ؛ فإذا كانت رقيقة ، فعدّتها قرءان ، وإن كان حرّة ، فعدّتها ثلاثة قروء.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٥.