الأول : كما أن حمل الأقراء على الأطهار يوجب الزّيادة ؛ لأنه إذا طلّقها في أثناء الطّهر ، لم يحسب ما بقي من ذلك الطّهر في العدّة فتحصل الزّيادة.
واعتذروا عنه : بأن الزّيادة لا بدّ من تحمّلها لأجل الضّرورة ، لأنه لو جاز الطّلاق في الحيض ، لأمرناه بالطّلاق في آخر الحيض حتى يعتدّ بأطهار كاملة ، وإذا اختص الطّلاق بالطّهر ، صارت تلك الزّيادة محتملة للضّرورة.
ونحن نقول : لمّا صارت الأقراء مفسّرة بالأطهار ، والله تعالى أمرنا بالطّلاق في الطّهر صار تقدير الآية : يتربّصن بأنفسهن ثلاثة أطهار ؛ طهر الطّلاق وطهران آخران ، ثم لزم من كون الطّهر الأوّل طهر الطّلاق ، أن يكون ذلك الطّهر ناقصا ، ليعتدّ بوقوع الطّلاق فيه.
الوجه الثاني في الجواب : أنّا بيّنّا أن القرء اسم للاجتماع وكمال الاجتماع إنّما يحصل في آخر الطّهر ، فكان في الحقيقة الجزء الأخير من الطّهر قرءا تاما ، وعلى هذا التّقدير ؛ لم يلزم دخول النّقصان في شيء من الأقراء.
ورابعها : أنه ـ تعالى ـ نقل إلى الشّهور عند عدم الحيض ؛ قال : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤] فأقام الأشهر مقام الحيض دون الأطهار.
وأيضا : لما شرعت الأشهر بدلا عن الأقراء ، والبدل يعتبر بتمامها ؛ لأن الأشهر لا بدّ من إتمامها ، فوجب أيضا أن يكون الكمال معتبرا في المبدل ، فوجب أن تكون الأقراء كاملة وهي الحيض ، وأما الأطهار فيجب فيها قرءان وبعض قرء.
وخامسها : قوله ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : «طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان» (١) وأجمعوا على أنّ عدّة الأمة نصف عدّة الحرّة ، فوجب أن تكون عدّة الحرّة هي الحيض.
وسادسها : أجمعنا على وجوب الاستبراء في الجواري بالحيض ، فكذا العدّة ؛ لأن المقصود من الاستبراء والعدّة شيء واحد ؛ لأن أصل العدّة إنّما شرع لاستبراء الرّحم ، وإنما تستبرأ الرّحم بالحيض لا بالطّهر ؛ فوجب أن يكون هو المعتبر.
وسابعها : إن القول بأن القرء هو الحيض احتياط ، وتغليب لجانب الحرمة ؛ لأن المطلّقة إذا مرّ عليها بقية الطّهر ، وطعنت في الحيضة الثّالثة ، فإن جعلنا القرء هو
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢١٨٩) والترمذي (١ / ٢٢٢) وابن ماجه (٢٠٨٠) والحاكم (٢ / ٢٠٥).
وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث مظاهر ولا نعرف له غير هذا الحديث وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وأخرجه الدارقطني (٤ / ٣٩) والبيهقي (٧ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، ٤٢٦) عن عائشة بلفظ : طلاق العبد اثنتان ...
وأخرجه الدارقطني (٤ / ٣٩) عن عائشة بلفظ : طلاق الأمة اثنتان وقرؤها حيضتان.