أن يكون صفة لها في الأصل ، ولكنّ هذا ضعيف ؛ من حيث إنه يلزم تقديم الحال على عاملها المعنويّ ؛ لأنّ «عليهنّ» حينئذ هو العامل فيها ؛ لوقوعه خبرا. على أنّ بعضهم قال : متى كانت الحال نفسها ظرفا أو جارّا ومجرورا ، قوي تقديمها على عاملها المعنويّ ، وهذا من ذاك ، هذا معنى قول أبي البقاء (١). وردّه أبو حيان بأنّ هذه الحال قد تقدّمت على جزأي الجملة ، فهي نظير : «قائما في الدّار زيد» ، قال : وهذا ممنوع ، لا ضعيف ؛ كما زعم بعضهم ، وجعل محلّ الخلاف فيما إذا لم تتقدّم الحال ـ العامل فيها المعنى ـ على جزأي الجملة ، بل تتوسّط ؛ نحو : «زيد قائما في الدّار» ، قال : «فأبو الحسن يجيزها ، وغيره يمنعها». و «الرّجل» مأخوذ من الرّجلة ، أي : القوّة ، وهو أرجل الرّجلين ، أي : أقواهما وفرس رجيل : قويّ على المشي ، والرّجل معروف لقوّته على المشي ، وارتجل الكلام ، أي : قوي عليه من غير حاجة فيه إلى فكرة ورويّة ، وترجّل النّهار : قوي ضياؤه.
و «الدّرجة» هي المنزلة ، وأصلها : من درجت الشّيء أدرجه درجا ، وأدرجته إدراجا إذا طويته ، ودرج القوم قرنا بعد قرن ، أي : فنوا ، ومعناه : أنّهم طووا عمرهم شيئا فشيئا ، والمدرجة : قارعة الطّريق ؛ لأنّها تطوي منزلا بعد منزل ، والدّرجة : المنزلة من منازل الجنّة ، ومنه الدّرجة التي يرتقى فيها ، والدّرج : ما يرتقى عليها ، والدّرك ما يهوى فيها.
فصل
لما بيّن أن المقصود من المراجعة إصلاح حالها ، لا إيصال الضّرر إليها ، بيّن أن لكلّ واحد من الزّوجين حقّا على الآخر.
روي عن ابن عبّاس ، قال : إني لأتزيّن لامرأتي كما تتزيّن لي ؛ لقوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(٢).
وقال بعضهم : يجب أن يقوم بحقّها ومصالحها ، ويجب عليها الانقياد والطّاعة له.
وقيل : لهنّ على الزّوج إرادة الإصلاح عند المراجعة ، وعليهنّ ترك الكتمان فيما خلق الله في أرحامهن ، وهذا أوفق لصدر الآية.
وأما درجة الرجل على المرأة فيحتمل وجهين :
الأول : أن الرّجل أزيد في الفضيلة من النّساء لأمور : في كمال العقل ، وفي الدّية ،
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٦.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٩٣) وزاد نسبته لوكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفا.