الأول المطلّق ثلاثا ، أي : فإن طلّقها الثاني ، وانقضت عدّتها منه ، فلا جناح على الزوج المطلّق ثلاثا ، ولا عليها ؛ أن يتراجعا.
وهذا يؤيد قول من قال : إن الرجل إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين ، فتزوجت غيره ، وأصابها ، ثم عادت إلى الأول بنكاح جديد ، أنّها تعود على ما بقي من طلاقها ؛ لأنه سمّى هذا العود بعد الطلاق الثلاث رجعة ، فبعد طلقة وطلقتين أولى بهذا الاسم ، وإذا ثبت هذا الاسم ، كان رجعة ، والرجعية تعود على ما بقي من طلاقها. ويجوز أن يعود عليها ، وعلى الزوج الثاني ، أي : فلا جناح على المرأة ولا على الزوج الثاني ، أن يتراجعا ما دامت عدّتها باقية ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف تلك الجملة المقدّرة ، وهي «وانقضت عدّتها» ، وتكون الآية قد أفادت حكمين ، أحدهما : أنها لا تحلّ للأول ؛ إلّا بعد أن تتزوج بغيره ، والثاني : أنه يجوز أن يراجعها الثاني ، ما دامت عدّتها منه باقية ، ويكون ذلك دفعا لوهم من يتوهّم أنها إذا نكحت غير الأول حلّت للأول فقط ، ولم يكن للثاني عيها رجعة.
وهو الذي عوّل عليه سعيد بن المسيّب في أنّ التحليل يحصل بمجرد العقد ؛ لأن الوطء لو كان معتبرا ، لكانت العدة واجبة ، وهذه الآية تدل على سقوط العدّة ؛ لأن «الفاء» في قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) يدلّ على أنّ حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني ، إلّا أنه يجاب بأنّ هذا المخصوص بقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨].
قوله : (أَنْ يَتَراجَعا) ، أي : «في أن» ، ففي محلّها القولان المشهوران : قال الفراء : موضعهما نصب بنزع الخافض ، وقال الكسائي ، والخليل : موضعهما خفض بإضمار ، و «عليهما» خبر «لا» ، و «في أن» متعلّق بالاستقرار ، وقد تقدّم أنه لا يجوز أن يكون «عليهما» متعلقا ب «جناح» ، والجارّ الخبر ، لما يلزم من تنوين اسم «لا» ؛ لأنه حينئذ يكون مطوّلا.
قوله : (إِنْ ظَنَّا) شرط جوابه محذوف عند سيبويه (١) لدلالة ما قبله عليه ، ومتقدّم عند الكوفيين وأبي زيد. والظّنّ هنا على بابه من ترجيح أحد الجانبين ، وهو مقوّ أن الخوف المتقدّم بمعنى الظّنّ. وزعم أبو عبيدة وغيره أنه بمعنى اليقين ، وضعّف هذا القول الزمخشري لوجهين ، أحدهما من جهة اللفظ وهو أنّ «أن» الناصبة لا يعمل فيها يقين ، وإنما ذلك للمشدّدة والمخففة منها ، لا تقول : علمت أنّ يقوم زيد ، إنما تقول : علمت أن يقوم زيد. والثاني من جهة المعنى : فإنّ الإنسان لا يتيقّن ما في الغد وإنما يظنّه ظنا.
__________________
(١) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٤٤٨.