المشاورة مع غيرهما ، وعند ذلك يبعد حصول موافقة الكلّ على ما يكون فيه ضرر الولد ، فعند اتّفاق الكلّ على أنّ الفطام قبل الحولين لا يضرّ الولد ألبتّة يجوز الفطام.
فانظر إلى إحسان الله تعالى بهذا الطفل الصغير ، كم شرط في جواز فطامه من الشروط ؛ دفعا للمضارّ عنه ، ثم عند اجتماع هذه الشّرائط لم يصرّح بالإذن ، بل قال : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما).
قوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ).
«أن» وما في حيّزها في محلّ نصب ، مفعولا ب «أراد» وفي «استرضع» قولان للنّحويين :
أحدهما : أنه يتعدّى لاثنين ، ثانيهما بحرف الجرّ ، والتقدير : أن تسترضعوا المراضع لأولادكم ، فحذف المفعول الأوّل وحرف الجر من الثاني ، فهو نظير «أمرت الخير» ، ذكرت المأمور به ، ولم تذكر المأمور ؛ لأنّ الثاني منهما غير الأوّل ، وكلّ مفعولين كانا كذلك ، فأنت فيهما بالخيار بين ذكرهما وحذفهما ، وذكر الأوّل ، دون الثاني والعكس.
قال الواحديّ : (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) ، أي : لأولادكم وحذف اللام ، اجتزاء بدلالة الاسترضاع (١) ؛ لأنّه لا يكون إلّا للأولاد ، ولا يجوز : «دعوت زيدا» وأنت تريد لزيد ؛ لأنّه لا يلتبس (٢) ها هنا خلاف ما قلنا في الاسترضاع ، ونظير حذف «اللّام» قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين : ٣] أي : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم.
والثاني : أنه متعدّ إليهما بنفسه ، ولكنه حذف المفعول الأول ، وهذا رأي الزمخشريّ ، ونظّر الآية الكريمة بقولك : «أنجح الحاجة» «واستنجحته الحاجة» وهذا يكون نقلا بعد نقل ؛ لأنّ الأصل «رضع الولد» ، ثم تقول : «أرضعت المرأة الولد» ، ثم تقول : «استرضعتها الولد» ؛ هكذا قال أبو حيّان.
قال شهاب الدين : وفيه نظر ؛ لأنّ قوله «رضع الولد» يشعر أنّ هذا لازم ، ثم عدّيته بهمزة النقل ، ثم عدّيته ثانيا بسين الاستفعال ، وليس كذلك ، لأنّ «رضع الولد» متعدّ ، غاية ما فيه أنّ مفعوله غير مذكور ، وتقديره : رضع الولد أمّه ؛ لأنّ المادّة تقتضي مفعولا به ؛ كضرب ، وأيضا فالتعدية بالسين قول مرغوب عنه ، والسين للطلب على بابها ؛ نحو : استسقيت زيدا ماء ، واستطعمته خبزا ؛ فكما أنّ ماء وخبزا منصوبان ، لا على إسقاط الخافض كذلك «أولادكم» ، وقد جاء [استفعل] للطّلب ، وهو معدّى إلى الثاني بحرف جرّ ، وإن كان «أفعل» الذي هو أصله متعدّيا لاثنين ، نحو : «أفهمني زيد المسألة» واستفهمته عنها ، ويجوز حذف «عن» ، فلم يجئ مجيء «استسقيت» و «استطعمت» من كون ثانيهما منصوبا ، لا على إسقاط الخافض.
__________________
(١) في ب : الاسترجاع.
(٢) في ب : يريد.