وغيره ؛ فكان عدم المسيس شرطا في إباحة الطلاق مطلقا.
الثاني : ما قدمناه من أنّ «ما» بمعنى «الذي» ، والتقدير : إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسّوهنّ ؛ إلّا أنّ «ما» اسم جامد لا ينصرف ، ولا يبين فيه الإعراب ، وعلى هذا فلا تكون «ما» شرطا فزال السؤال.
الثالث : قال القفال (١) : إن المراد من الجناح في هذه الآية لزوم المهر ، وتقديره : لا مهر عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ، يعني : لا يجب المهر إلّا بأحد هذين الأمرين ، فإذا فقدا جميعا لم يجب المهر.
قال ابن الخطيب (٢) : وهذا ظاهر ، وبيان أنّ قوله : «لا جناح» معناه : لا مهر ؛ لأنّ إطلاق لفظ «الجناح» على المهر محتمل ؛ لأن أصل الجناح في اللغة : الثقل ، يقال : جنحت السفينة ، إذا مالت بثقلها ، والذنب يسمّى جناحا ؛ لما فيه من الثّقل ، قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] ، وإذا ثبت أن الجناح هو الثقل ، ولزوم أداء المال ثقل ، فكان جناحا ، ويدلّ على أنّ هذا هو المراد وجهان :
الأول : أنه تعالى قال : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) نفى الجناح محدودا إلى غاية ، وهي إمّا المسيس ، أو الفرض والتقدير ، فوجب أن يثبت ذلك الجناح عند حصول أحد هذين الأمرين ، ثم إنّ الجناح الذي يثبت عند أحد هذين الأمرين ، هو لزوم المهر.
الوجه الثاني : أنّ تطليق النساء قبل المسيس ، وبعد تقدير المهر ، وهو المذكور في الآية التي بعدها ، هو تقدير المهر ، وقد أوجب فيه نصف المهر وهذا كالمقابل له ، فوجب أن يكون الجناح المنفي عنه هناك ، هو المثبت ها هنا ، فلما كان المثبت في الآية التي بعدها ، هو لزوم المهر ، وجب أن يقال : الجناح المنفي في هذه الآية هو لزوم المهر.
قوله : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) جملة من مبتدأ وخبر ، وفيها قولان :
أحدهما : أنها لا محلّ لها من الإعراب ، بل هي استئنافيّة بيّنت حال المطلّق بالنسبة إلى إيساره وإقتاره.
والثاني : أنها في موضع نصب على الحال ، وذو الحال فاعل «متّعوهنّ».
قال أبو البقاء (٣) : «تقديره : بقدر الوسع» ، وهذا تفسير معنى ، وعلى جعلها حالية : فلا بدّ من رابط بينها وبين صاحبها ، وهو محذوف ، تقديره : على الموسع منكم ، ويجوز على مذهب الكوفيين ومن تابعهم : أن تكون الألف واللام قامت مقام الضمير المضاف إليه ، تقديره : «على موسعكم قدره».
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١١٧.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١١٧.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٩.