أحدهما : أنّ هذه الآية متعلّقة بما قبلها ، والمراد منها القرض في الجهاد خاصّة ، فندب العاجز عن الجهاد أن ينفق على الفقير القادر عليه ، وأمر القادر على الجهاد : أن ينفق على نفسه في طريق الجهاد ، ثمّ أكد ذلك بقوله تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَ) يبسط».
القول الثاني : أنّ هذا الكلام مبتدأ لا تعلّق له بما قبله ، ثم اختلفوا هؤلاء ، فمنهم من قال: المراد من القرض إنفاق المال ، ومنهم من قال : إنّه غيره والقائلون بأنّه إنفاق المال ، اختلفوا على ثلاثة أقوال :
الأول : أنّه الصّدقة غير الواجبة ، وهو قول الأصم (١) ، واحتجّ بوجهين :
أحدهما : أنّه تعالى سمّاه قرضا والقرض لا يكون إلّا تبرعا.
الوجه الثاني : قال ابن عبّاس : إنّ هذه الآية نزلت في أبي الدّحداح ، قال : يا رسول الله! إنّ لي حديقتين ، فإن تصدّقت بأحدهما ، فهل لي مثلها في الجنّة.
قال : «نعم» ، قال : وأمّ الدّحداح معي؟ قال : «نعم». فتصدق بأفضل حديقتيه ، وكانت تسمّى «الحنيبة» قال : فرجع أبو الدّحداح إلى أهله ، وكانوا في الحديقة التي تصدّق بها ، فقام على باب الحديقة وذكر ذلك لامرأته فقالت أم الدّحداح : بارك الله لك فيما اشتريت ، ثمّ خرجوا منها وسلموها ؛ فكان عليه الصّلاة والسّلام يقول : كم من نخلة رداح تدلي عروقها في الجنّة لأبي الدّحداح (٢).
القول الثاني : أنّ المراد من هذا القرض : الإنفاق الواجب في سبيل الله. قالوا : لأنّه تعالى ذكر في آخر الآية قوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، وذلك كالزّجر وهو إنّما يليق بالواجب.
القول الثالث : أنّه يشتمل قسمين كقوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ) [البقرة : ٢٦١] وأمّا من قال : إنّ المراد : إنفاق شيء سوء المال. قالوا : روي عن بعض أصحاب ابن مسعود (٣) أنه قول الرّجل سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر. قال ابن الخطيب (٤) [قال القاضي] وهذا بعيد ؛ لأنّ لفظ الإقراض لا يقع في عرف اللّغة عليه ، ولا يمكن حمل هذا القول على الصّحّة إلّا أن نقول : إذا كان
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٤١.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥) وأبو يعلى والطبراني والبزار كما في «مجمع الزوائد» (٦ / ٣٢٠) ، (٩ / ٣٢٤) وقال الهيثمي : رواه أبو يعلى والطبراني ورجالهما ثقات ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٥٤ ـ ٥٥٥) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٤٢.
(٤) ينظر : المصدر السابق.