القصّة ، وهو أشمويل عليه الصّلاة والسّلام ، وعلى هذا التّقدير إن قلنا : هذا الكلام من طالوت ، فيكون تحمّله عن ذلك النّبي ، وحينئذ لا يكون طالوت نبيّا ، وإن قلنا : الكلام من النّبيّ فتقديره : فلمّا فصل طالوت بالجنود قال لهم نبيهم : إن الله مبتليكم بنهر ، وفي هذا الابتلاء وجهان :
الأول : قال القاضي (١) : كان المشهور من أمر بني إسرائيل مخالفة الأنبياء ، والملوك مع ظهور الآيات ، والمعجزات ، فأراد الله تعالى إظهار علامة قبل لقاء العدوّ يتميز بها الصّابر على الحرب من غيره.
الثاني : أنّه تعالى ابتلاهم ليتعوّدوا الصّبر على الشّدائد والابتلاء الامتحان وفيه لغتان من «بلا يبلو» و «ابتلى يبتلي» ؛ قال : [الكامل]
١١٦٣ ـ ولقد بلوتك وابتليت خليفتي |
|
ولقد كفاك مودّتي بتأدّب (٢) |
فجاء باللّغتين ، وأصل الياء في مبتليكم واو لأنّه من بلا يبلو ؛ وابتلى يبتلي ، أي : اختبر ، وإنّما قلبت لانكسار ما قبلها.
قوله (بِنَهَرٍ) الجمهور على قراءته بفتح الهاء وهي اللّغة الفصيحة ، وفيه لغة أخرى : تسكين الهاء ، وبها قرأ مجاهد (٣) وأبو السّمّال في جميع القرآن وكلّ ثلاثي حشوه حرف حلق ، فإنّه يجيء على هذين الوجهين ؛ كقوله : صخر وصخر وشعر وشعر وبحر وبحر ؛ قال : [البسيط]
١١٦٤ ـ كأنّما خلقت كفّاه من حجر |
|
فليس بين يديه والنّدى عمل |
يرى التّيمّم في برّ وفي بحر |
|
مخافة أن يرى في كفّه بلل (٤) |
وتقدم اشتقاق هذه اللّفظة عند قوله تعالى : (مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥].
قوله : (فَلَيْسَ مِنِّي) ، أي : من أشياعي وأصحابي ، و «من» للتّبعيض ؛ كأنه يجعل أصحابه بعضه ؛ ومثله قول النّابغة : [الوافر]
١١٦٥ ـ إذا حاولت في أسد فجورا |
|
فإنّي لست منك ولست منّي (٥) |
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٥٢.
(٢) ينظر : الرازي ٦ / ١٥٣.
(٣) قرأ بها حميد الأعرج.
انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٤٤ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٧٣ ، والدر المصون ١ / ٦٠٤.
(٤) ينظر : الرازي ٦ / ١٥٣.
(٥) ينظر : ديوانه (١٢٣) ، الكتاب ٤ / ١٨٦ ، شرح الحماسة ١ / ٤٧٤ ، القرطبي ٣ / ٢٥٢ ، البحر ٢ / ٢٧٣ ، الدر المصون ١ / ٦٠٤.