ومعنى يطعمه : يذقه ؛ تقول العرب : «طعمت الشّيء» أي : ذقت طعمه ؛ قال : [الطويل]
١١٦٦ ـ فإن شئت حرّمت النّساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا (١) |
والنقاخ : الماء العذب المروي ، والبرد : هو النّوم.
فصل
قال أهل اللّغة : وإنّما اختير هذا اللّفظ لوجهين :
أحدهما : أنّ الإنسان إذا عطش جدّا ، ثم شرب الماء ، وأراد وصف ذلك الماء ، فإنّه يصفه بالطّعوم اللّذيذة ، فقوله (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) ، أي : وإن بلغ به العطش إلى حيث يكون الماء في فمه موصوفا بالطّعوم الطّيّبة ؛ فإنه يجب عليه الاحتراز عنه ، وألا يشرب.
الثاني : أنّ من جعل الماء في فمه ، وتمضمض به ، ثم أخرجه فإنّه يصدق عليه أنّه ذاقه وطعمه ، ولا يصدق عليه أنّه شربه ، فلو قال : ومن لم يشربه فإنّه مني ، كان المنع مقصورا على الشّرب. فلما قال (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) حصل المنع في الشّرب ، والمضمضة ، ومعلوم أنّ هذا التّكليف أشقّ ، فإنّ الممنوع من الشّرب ، إذا تمضمض بالماء وجد نوع خفّة وراحة.
فإن قيل : هلّا قيل : «ومن لم يطعم منه» ليكون آخر الآية مطابقا لأوّلها؟
فالجواب : إنّما اختير ذلك لفائدة وهي أنّ الفقهاء اختلفوا في أنّ من حلف ألّا يشرب من هذا النّهر. قال أبو حنيفة : لا يحنث إلا إذا كرع منه ؛ حتى لو اغترف بكوز من النّهر ، وشرب لا يحنث ؛ لأنّ الشّرب من الشّيء هو : أن يكون ابتداء شربه متّصلا بذلك الشّيء ، وهذا لا يحصل إلّا بالشّرب من النّهر.
وقال الباقون : يحنث بالشّرب من الكوز ، إذا اغترف به من النّهر ؛ لأنّ هذا وإن كان مجازا ، فهو مجاز معروف ، وإذا تقرّر هذا فقوله : «من شرب منه فليس منّي» ظاهره : أنّ النّهي مقصور على الشّرب من النّهر ، حتّى لو اغترف بكوز ، وشرب ، لا يكون داخلا تحت النّهي فلما كان هذا الاحتمال قائما في اللّفظ الأوّل ذكر في اللّفظ الثّاني ما يزيل هذا الاحتمال ، فقال : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) أضاف الطّعم والشّرب إلى الماء لا إلى النهر إزالة لذلك الاحتمال.
فصل
قال ابن عبّاس ، والسّدّيّ : إنّه نهر فلسطين (٢) ، وقال قتادة والرّبيع : هو نهر بين
__________________
(١) البيت للعرجي ينظر ديوانه (١٠٩) ، البحر ٢ / ٢٧٣ ، الأضداد (٦٤) التهذيب ١٤ / ١٠٥ ، الكشاف ١ / ٢٢٤ ، اللسان : برد ، الدر المصون ١ / ٦٠٤.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٤٠ ـ ٣٤١) عن ابن عباس وقتادة والسدي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٤) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.