فإنّ معنى «لم يدع من المال إلّا مسحتا» لم يبق من المال إلّا مسحت ، فلذلك عطف عليه «مجلّف» بالرّفع مراعاة للمعنى المذكور. وفي البيت وجهان آخران ، أحدهما (١) ...
ولا بدّ من ذكر هذه المسألة لعموم فائدتها فأقول : إذا وقع في كلامهم استثناء موجب نحو : «قام القوم إلّا زيدا» فالمشهور وجوب النّصب على الاستثناء. وقال بعضهم : يجوز أن يتبع ما بعد «إلا» ما قبلها في الإعراب فتقول : «مررت بالقوم إلا زيد» بجرّ «زيد» واختلفوا في تابعيّة هذا ، فعبارة بعضهم أنّه نعت لما قبله ، ويقول : إنه ينعت بإلّا ، وما بعدها مطلقا سواء كان متبوعها معرفة ، أم نكرة مضمرا ، أم ظاهرا ، وهذا خارج عن قياس باب النّعت لما قد عرفت فيما تقدّم.
ومنهم من قال : لا ينعت بها إلّا نكرة ، أو معرفة بأل الجنسيّة لقربها من النّكرة. ومنهم من قال : قول النّحويين هنا نعت : إنّما يعنون به عطف البيان ؛ ومن مجيء الإتباع بما بعد «إلّا» قوله : [الوافر]
١١٦٨ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان (٢) |
فصل
لما ذكر تعالى أنّ هذا الابتلاء ليتميز المطيع من المخالف ، أخبر بعد ذلك بأنّهم لما هجموا على النّهر شرب أكثرهم ، وأطاع قليل ، فلم يشربوا ، فأمّا الّذين شربوا فروي أنّهم اسودّت شفاههم وغلبهم العطش ، ولم يرووا ، وبقوا على شطّ النّهر وجبنوا عن لقاء العدوّ ، وأمّا الّذين أطاعوا ، فقوي قلبهم ، وصحّ إيمانهم.
قال السّدّيّ : كانوا أربعة آلاف (٣) ، وقال الحسن ، وهو الصّحيح : أنهم كانوا على عدد أهل بدر ثلاثمائة ، وبضعة عشر (٤) ، ويدلّ عليه قوله عليه الصّلاة والسّلام لأصحابه يوم بدر : «أنّتم اليوم على عدد أصحاب طالوت حين عبروا النّهر ، وما جاز معه إلّا مؤمن» (٥).
قال البراء بن عازب : وكنا يومئذ ثلاثمائة ، وثلاثة عشر رجلا (٦) ولا خلاف بين
__________________
(١) موضع النقط بياض في الأصل.
(٢) تقدم برقم ٦٢٤.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٤٨).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٤٧).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٤) وعزاه لابن جرير عن قتادة.
(٦) أخرجه البخاري (٥ / ١٨١) كتاب المغازي باب عدة أصحاب بدر رقم (٣٩٥٩) وأحمد (٤ / ٢٩٠) والطبري (٥ / ٣٤٦ ، ٣٤٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٦٤) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «دلائل النبوة».