لأبيه داود ، وخصّ محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأنّه مبعوث إلى الجن والإنس ، وبأنّ شرعه نسخ سائر الشّرائع.
الثاني : أنّ المراد منه المعجزات ، فإنّ كل واحد من الأنبياء أوتي نوعا آخر من المعجزات على ما يليق بزمانه ، فمعجزات موسى هي قلب العصا حيّة ، واليد البيضاء ، وفلق البحر كان كالشّبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدّمين فيه ، وهو السّحر. ومعجزات عيسى ، وهي إبراء الأكمه ، والأبرص ، وإحياء الموتى كالشّبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدّمين فيه ، وهو الطّبّ.
ومعجزة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهي القرآن كانت من جنس الفصاحة ، والبلاغة والخطب ، والأشعار ، وبالجملة فالمعجزات متفاوتة بالقلّة والكثرة وبالبقاء وعدم البقاء ، وبالقوة وعدم القوّة.
الثالث : أن المراد بتفاوت الدّرجات ما يتعلّق بالدّنيا من كثرة الأتباع والأصحاب وقوّة الدّولة ، وإذا تأمّلت هذه الوجوه ؛ علمت أنّ محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان جامعا للكلّ ، فمنصبه أعلى ومعجزاته أبقى ، وأقوى ، وقومه أكثر ، ودولته أعظم وأوفر.
الرابع : أنّ المراد بقوله : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) هو محمّد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ لأنّه هو المفضل على الكلّ ، وإنما قال (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ) على سبيل الرّمز ، لمن فعل فعلا عظيما فيقال له : من فعل هذا الفعل ؛ فيقول : أحدكم ، أو بعضكم ، ويريد به نفسه وذلك أفخم من التّصريح به ، وقد سئل الحطيئة عن أشعر النّاس ، فذكر زهيرا ، والنّابغة ، ثم قال : «ولو شئت لذكرت الثّالث» أراد نفسه.
وقيل : المراد إدريس عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) [مريم : ٥٧] ومراتب الأنبياء في السّموات.
فإن قيل : المفهوم من قوله (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) هو المفهوم من قوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) ، فما فائدة التكرير؟
فالجواب (١) : أنّ قوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [يدل على إثبات تفضيل البعض على البعض ، ولكنّه لا يدلّ على أنّ ذلك التّفضيل ، حصل بدرجة ، أو بدرجات ، فبيّن بالثّاني أنّ التّفضيل بدرجات.
فإن قيل : قوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)](٢) كلام كلي ، وقوله بعد ذلك (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) شروع في تفصيل تلك الجملة وقوله بعد ذلك : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) ، إعادة لذلك الكلام الكلّي ، ومعلوم أنّ إعادة الكلام الكليّ بعد الشّروع في تفصيل جزئيّاته ، يكون تكرارا.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ١٧١.
(٢) سقط في ب.