وقال الضحاك : القيّوم الدّائم الوجود (١) الذي يمتنع عليه التغيير.
وقيل : القيّوم الذي لا ينام ، وهذا القول بعيد ؛ لأنه يصير قوله ـ تعالى ـ (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) تكرارا.
وقال أبو عبيدة (٢) : القيّوم الذي لا يزول.
قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) في هذه الجملة خمسة أوجه :
أحدها : أنها في محلّ رفع خبرا للحيّ كما تقدّم في أحد أوجه رفع الحيّ.
الثاني : أنّها خبر عن الله تعالى عند من يجيز تعدّد الخبر.
الثالث : أنها في محلّ نصب على الحال من الضّمير المستكنّ في «القيّوم» كأنّه قيل : يقوم بأمر الخلق غير غافل ، قال أبو البقاء (٣) رحمهالله تعالى.
الرابع : أنها استئناف إخبار ، أخبر ـ تبارك وتعالى ـ عن ذاته القديمة بذلك.
الخامس : أنها تأكيد للقيّوم ؛ لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيّوما ، قاله الزّمخشريّ ، فعلى قوله إنّها تأكيد يجوز أن يكون محلّها النصب على الحال المؤكّدة ، ويجوز أن تكون استئنافا ، وفيها معنى التأكيد ، فتصير الأوجه أربعة.
والسّنة : النّعاس ، وهو ما يتقدّم النّوم من الفتور ؛ قال عديّ بن الرقاع : [الكامل]
١١٧٧ ـ وسنان أقصده النّعاس فرنّقت |
|
في عينه سنة وليس بنائم (٤) |
وهي مصدر وسن يسن ؛ مثل : وعد ، يعد ، وقد تقدّم علة الحذف عند قوله (سَعَةً مِنَ الْمالِ) [البقرة : ٢٤٧].
فإن قيل : إذا كانت السّنة عبارة عن مقدّمة النّوم ، فقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) يدلّ على أنّه لا يأخذه نوم بطريق الأولى ، فيكون ذكر النّوم تكرارا.
فالجواب : تقدير الآية : لا تأخذه سنة ، فضلا عن أن يأخذه نوم.
وقيل هذا من باب التكميل.
وقال ابن زيد : «الوسنان : الّذي يقوم من النّوم وهو لا يعقل ؛ حتّى إنّه ربّما جرّد السّيف على أهله» ، وهذا القول ليس بشيء ، لأنّه لا يفهم من لغة العرب ذلك ، وقال المفضّل : «السّنة : ثقل في الرّأس ، والنّعاس في العينين ، والنّوم في القلب».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٨٩) عن الضحاك وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٢٨٧).
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٣٨.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٦.
(٤) ينظر : الحماسة الشجرية ٢ / ٦٨٢ ، البحر ٢ / ٢٨١ ؛ تهذيب اللغة ٢ / ١٠٥ ، الزمخشري ١ / ٣٠٠ ، اللسان نعس ، الدر المصون ١ / ٦١٣.