فصل
اعلم أنّ تفسير الجلالة قد تقدّم في أوّل الكتاب ، والإله ؛ قال بعضهم : هو المعبود (١) ، وهو خطأ من وجهين :
الأول : أنه تبارك وتعالى كان إلها في الأزل ، وما كان معبودا.
الثاني : أنّه تعالى أثبت معبودا سواه في قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الأنبياء : ٩٨].
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله : وإنما «الإله» هو القادر على ما إذا فعله كان مستحقا للعبادة ، وأما «الحيّ» قال المتكلّمون : هو كلّ ذات يصحّ أن يعلم ، ويقدر ، واختلفوا في أنّ هذا المفهوم صفة وجوديّة أم لا ، فقال بعضهم : إنّه عبارة عن كون الشّيء بحيث لا يمتنع أنّه يعلم ويقدر ، وعدم الامتناع صفة موجودة ، أم لا؟
قال المحقّقون : لما كانت الحياة عبارة عن عدم الامتناع ، وقد ثبت أنّ الامتناع أمر عدمي ، إذ لو كان وصفا موجودا ؛ لكان الموصوف به موجودا ، فيكون ممتنع الوجود موجودا ، وهو محال ، وإذا ثبت أنّ الامتناع عدم وثبت أن الحياة عدم هذا الامتناع ، وثبت أنّ عدم العدم : وجود ، لزم أن يكون المفهوم من الحياة صفة موجودة ، وهو المطلوب.
قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : ولقائل أن يقول لمّا كان الحيّ أنّه الذي يصحّ أن يعلم ، ويقدر ، وهذا القدر حاصل لجميع الحيوانات فكيف يحسن أن يمدح الله نفسه بصفة يشاركه فيها أخس الحيوانات.
والذي عندي في هذا الباب : أنّ الحيّ عبارة عن الكامل في نفسه ، ولما لم يكن كذلك مقيدا بأنه كامل في هذا دون ذاك دلّ على أنه كامل على الإطلاق.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنّه كان يقول : أعظم أسماء الله ـ تعالى ـ (الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
روي أنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ما كان يزيد على ذكره في السجود يوم بدر.
والقيوم ؛ قال مجاهد : القائم على كلّ شيء (٣) وتأويله قائم بتدبير الخلائق في إيجادهم وأرزاقهم.
وقال الكلبيّ : القائم على كلّ نفس بما كسبت (٤).
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٧.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٨٨) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٧٩) وزاد نسبته لآدم بن أبي إياس والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن مجاهد.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٣٨.