والثاني : على «الّذي» ، ومعنى حاجّه : أظهر المغالبة في حجته.
فصل
أعلم أنّه تعالى ذكر هاهنا قصصا ثلاثا.
الأولى : في بيان إثبات العالم بالصّانع ، والثانية والثالثة : في إثبات الحشر والنّشر والبعث.
فالأولى مناظرة إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مع ملك زمانه ، وهي هذه.
قال مجاهد هو النّمروذ بن كنعان بن سام بن نوح ، هو أول من وضع التّاج على رأسه ، وتجبر وادّعى الرّبوبيّة (١) ؛ حاجّ إبراهيم أي : خاصمه وجادله ، واختلفوا في وقت هذه المحاجّة. فقال مقاتل : لمّا كسّر الأصنام سجنه النمروذ ، ثم أخرجه ليحرقه فقال [له] : من ربّك الذي تدعونا إليه ؛ فقال : «ربّي الّذي يحيي ويميت».
وقال آخرون : كان هذا بعد إلقائه في النّار (٢).
وقال قتادة : هو أوّل من تجبّر ، وهو صاحب الصّرح ببابل (٣).
وقيل هو نمروذ بن فالج بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، وحكى السّهيليّ أنه النّمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح ، وكان ملكا على السّواد ، وكان ملكه الضحاك الّذي يعرف بالأزدهاق وذلك أن النّاس قحطوا على عهد نمروذ ، وكان النّاس يمتارون من عنده الطّعام ، وكان إذا أتاه الرّجل في طلب الطّعام سأل : من ربّك فإن قال : أنت ؛ نال من الطعام فأتاه إبراهيم فيمن أتاه ، فقال له نمروذ : من ربّك ؛ فقال له إبراهيم : ربيّ الّذي يحيي ويميت. فاشتغل بالمحاجّة ، ولم يعطه شيئا ، فرجع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فمر على كثيب من رمل أعفر ، فأخذ منه تطييبا لقلوب أهله إذا دخل عليهم ؛ فلما أتى أهله ، ووضع متاعه نام فقامت امرأته إلى متاعه ، ففتحته فإذا هو بأجود طعام رأته ؛ فصنعت له منه فقربته إليه ، فقال من أين هذا؟ قالت من الطّعام الّذي جئت به ، فعرف أن الله ـ تعالى ـ رزقه فحمد الله تعالى (٤).
قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنّه مفعول من أجله على حذف العلّة ، أي : لأن آتاه ، فحينئذ في محلّ «أن» الوجهان المشهوران ، أعني النّصب ، أو الجرّ ، ولا بدّ من تقدير حرف الجرّ قبل
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٣٠) عن مجاهد.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤١.
(٣) ذكر هذه الأقوال الفخر الرازي في «تفسيره» (٧ / ٢٠).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٣٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٨٦) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في «العظمة» عن زيد بن أسلم.