«أن» ؛ لأنّ المفعول من أجله هنا نقّص شرطا ، وهو عدم اتّحاد الفاعل ، وإنما حذفت اللام ، لأنّ حرف الجرّ يطّرد حذفه معها ، ومع أنّ ، كما تقدّم. وفي كونه مفعولا من أجله وجهان :
أحدهما : أنّه من باب العكس في الكلام بمعنى : أنه وضع المحاجّة موضع الشّكر ، إذ كان من حقّه أن يشكر في مقابلة إتيان الملك ، ولكنّه عمل على عكس القضية ، كقوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة : ٨٢] ، وتقول : «عاداني فلان ؛ لأني أحسنت إليه» وهو باب بليغ.
والثاني : أنّ إيتاء الملك حمله على ذلك ؛ لأنّه أورثه الكبر والبطر ، فنشأ عنهما المحاجّة.
الوجه الثاني : أنّ «أن» ، وما في حيّزها واقعة موقع ظرف الزّمان ، قال الزّمخشريّ رحمهالله «ويجوز أن يكون التّقدير : حاجّ وقت أن آتاه الله». وهذا الذي أجازه الزمخشريّ فيه نظر ؛ لأنّه إن عنى أنّ ذلك على حذف مضاف ففيه بعد من جهة أنّ المحاجّة لم تقع وقت إيتاء الله له الملك ، إلّا أن يتجوّز في الوقت ، فلا يحمل على الظّاهر ، وهو أنّ المحاجّة وقعت ابتداء إيتاء الملك ، بل يحمل على أنّ المحاجّة وقعت وقت وجود الملك ، وإن عنى أنّ «أن» وما حيّزها واقعة موقع الظّرف ، فقد نصّ النّحويون على منع ذلك وقالوا : لا ينوب عن الظّرف الزّماني إلا المصدر الصّريح ، نحو : «أتيتك صياح الدّيك» ولو قلت : «أن يصيح الدّيك» لم يجز. كذا قاله أبو حيّان قال شهاب الدين وفيه نظر ، لأنه قال : «لا ينوب عن الظّرف إلا المصدر الصّريح» ، وهذا معارض بأنهم نصّوا على أنّ «ما» المصدرية تنوب عن الزّمان ، وليست بمصدر صريح.
والضمير في «آتاه» فيه وجهان :
أظهرهما : أن يعود على «الّذي» ، وهو قول جمهور المفسرين وأجاز المهدويّ أن يعود على «إبراهيم» ، أي : ملك النّبوّة. قال ابن عطيّة : «هذا تحامل من التّأويل» ، وقال أبو حيان : هذا قول المعتزلة ، قالوا : لأنّ الله تعالى قال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] والملك عهد ، ولقوله تبارك وتعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء : ٥٤]. وعود الضّمير إلى أقرب مذكور واجب ، وأقرب مذكور إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وأجيب عن الأوّل بأنّ الملك حصل لآل إبراهيم ، وليس فيها دلالة على حصوله لإبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.
وعن الثاني : بأن الذي حاج إبراهيم كان هو الملك ، فعود الضّمير إليه أولى.
قوله : «إذ قال» فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أنّه معمول لحاجّ.