والثاني : أن يكون معمولا لآتاه ، ذكره أبو البقاء. (١) وفيه نظر من حيث إنّ وقت إيتاء الملك ليس وقت قول إبراهيم : «ربّي الّذي يحيي ويميت» ، إلّا أن يتجوّز في الظّرف كما تقدّم.
والثالث : أن يكون بدلا من (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) إذا جعل بمعنى الوقت ، أجازه الزّمخشريّ بناء منه على أنّ «أن» واقعة موقع الظّرف ، وقد تقدّم ضعفه ، وأيضا فإنّ الظّرفين مختلفان ، كما تقدّم إلا بالتّجوز المذكور. وقال أبو البقاء (٢) رحمهالله «وذكر بعضهم أنه بدل من (أَنْ آتاهُ الْمُلْكَ) وليس بشيء ؛ لأنّ الظرف غير المصدر ، فلو كان بدلا لكان غلطا إلا أن تجعل «إذ» بمعنى «أن» المصدرية ، وقد جاء ذلك» انتهى. وهذا بناء منه على أنّ «أن» مفعول من أجله ، وليست واقعة موقع الظّرف ، أمّا إذا كانت «أن» واقعة موقع الظرف فلا تكون بدل غلط ، بل بدل كلّ من كلّ ، كما هو قول الزمخشري وفيه ما تقدّم بجوابه ، مع أنّه يجوز أن تكون بدلا من «أن آتاه» ، و «أن آتاه» مصدر مفعول من أجله بدل اشتمال ؛ لأنّ وقت القول لاتّساعه مشتمل عليه وعلى غيره.
الرابع : أنّ العامل فيه «تر» من قوله : «ألم تر» ذكره مكيّ (٣) رحمهالله تعالى ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنّ الرّؤية على كلا المذكورين في نظيرها لم تكن في وقت قوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).
قوله : (الَّذِي يُحْيِي) مبتدأ في محلّ نصب بالقول.
فصل
الظّاهر أن هذا جواب سؤال سابق غير مذكور ؛ لأنّ الأنبياء بعثوا للدّعوة ومتى ادّعى الرسالة والدّعوة ، فلا بدّ وأن يطالبه المنكر بإثبات أنّ للعالم إلها ؛ ألا ترى لما قال موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٢٣] فاحتّج موسى على إثبات الإله بقوله (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الشعراء : ٢٤] فكذا هاهنا لما ادّعى إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ الرّسالة قال النّمروذ من ربك؟ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت.
وقرأ حمزة : «ربّي الّذي يحيي ويميت» بإسكان الياء ، وكذلك (حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) [الأعراف : ٣٣] (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٤٦] ، و (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ) [إبراهيم : ٣١] ، و (آتانِيَ الْكِتابَ) [مريم : ٣٠] و (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) [الأنبياء : ٨٣] و (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) [ص : ٤١] و (عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] ، و (عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] و (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ) [الزمر : ٣٨] ، و (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ)
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٨.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ١٠٨.