الملوك ، فعمرها وجدّ في ذلك ، حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل. وقيل : إنه لمّا مضى لمدته سبعون سنة ، أرسل الله ملكا من ملوك فارس عظيما يقال له «كوشك» فعمّرها في ثلاثين سنة.
وقال الضحاك : هي الأرض المقدّسة (١).
وقال الكلبيّ : هي دير (٢) سابر أباد وقال السديّ مسلم أباد ، وقيل : دير هرقل.
وقوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) في «أنّى» وجهان :
أحدهما : أن تكون بمعنى «متى».
قال أبو البقاء (٣) رحمهالله : «فعلى هذا تكون ظرفا».
والثاني : أنّها بمعنى كيف.
قال أبو البقاء (٤) رحمهالله : فيكون موضعها حالا من «هذه» ، وتقدّم لما فيه من الاستفهام ، والظاهر أنها بمعنى كيف ، وعلى كلا القولين : فالعامل فيها «يحيي» ، و «بعد» أيضا معمول له. والإحياء ، والإماتة : مجاز ؛ إن أريد بهما العمران والخراب ، أو حقيقة إن قدّرنا مضافا ، أي : أنّى يحيي أهل هذه القرية بعد موت أهلها ، ويجوز أن تكون هذه إشارة إلى عظام أهل القرية البالية ، وجثثهم المتمزقة ، دلّ على ذلك السياق.
قوله : (مِائَةَ عامٍ) قال أبو البقاء (٥) رحمهالله : (مِائَةَ عامٍ) : ظرف لأماته على المعنى ؛ لأنّ المعنى ألبثه مئة عام ، ولا يجوز أن يكون ظرفا على ظاهر اللفظ ، لأنّ الإماتة تقع في أدنى زمان ، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف ، تقديره : «فأماته الله فلبث مائة عام» ، ويدلّ على ذلك قوله : (كَمْ لَبِثْتَ) ، ولا حاجة إلى هذين التأويلين ، بل المعنى جعله ميّتا مائة عام.
و «مئة» عقد من العدد معروف ، ولامها محذوفة ، وهي ياء ، يدلّ على ذلك قولهم : «أمأيت الدّراهم» ، أي : صيّرتها مئة ، فوزنها فعة ويجمع على «مئات» ، وشذّ فيها مئون ؛ قال القائل : [الطويل]
١٢٠٠ ـ ثلاث مئين للملوك وفى بها |
|
ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم (٦) |
كأنّهم جروها بهذا الجمع لما حذف منها ؛ كما قالوا : سنون : في سنة.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٤٣.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١٠٩.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) البيت للفرزدق ينظر ديوانه (٨٥٣) ، المقتضب ٢ / ١٧٠ الأشموني ٤ / ٦٥ ، ابن الشجري ٢ / ٢٤ ، العيني ٤ / ٤٨٠ ، المفصل لابن يعيش ٦ / ٢١ ، الدر المصون ١ / ٦٢٤.