التقديرين السابقين ، فلا يحتاج إلّا إلى حذف أحد جزئي الجملة». قال شهاب الدّين : وفيما قاله نظر ؛ لأنّا لا نسلّم أن المضارع بعد الفاء الواقعة جوابا يحتاج إلى إضمار مبتدأ. ونظير الآية قول امرئ القيس : [الوافر]
١٢٢٣ ـ ألا إن لا تكن إبل فمعزى |
|
كأنّ قرون جلّتها العصيّ (١) |
فقوله «فمعزى» فيه التقادير الثلاثة.
وادّعى بعضهم أنّ في هذه الآية الكريمة تقديما وتأخيرا ، والأصل : «أصابها وابل ، فإن لم يصبها وابل فطلّ فآتت أكلها ضعفين» حتى يجعل إيتاؤها الأكل ضعفين على الحالين : من الوابل ، والطّلّ ، وهذا لا حاجة إليه ؛ لاستقامة المعنى بدونه ، والأصل عدم التقديم والتأخير ، حتى يخصّه بعضهم بالضرورة.
والطّلّ : المستدقّ من القطر الخفيف وقال مجاهد : «هو النّدى (٢)» وهذا تجوّز منه ؛ ويقال : طلّه النّدى وأطلّه أيضا ؛ قال : [الطويل]
١٢٢٤ ـ ولمّا نزلنا منزلا طلّه النّدى |
|
..........(٣) |
ويجمع «طلّ» على طلال ؛ نقول : طلّت الأرض ، وأطلها النّدى فهي مطلولة قال الماوردي : وزرع الطّلّ أضعف من زرع المطر ، وأقلّ ريعا (٤).
فصل
هذا مثل ضربه الله تعالى ؛ لعمل المؤمن المخلص ، فيقول : كما أنّ هذه الجنة تريع في كل حال ، ولا تخلف سواء قلّ المطر أو كثر ؛ كذلك يضعّف الله صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمنّ ، ولا يؤذي سواء قلّت نفقته أو كثرت ، وذلك أن الطّلّ إذا كان يدوم ، يعمل عمل الوابل الشديد.
وقيل : معناه إن لم يصبها وابل حتى تضاعف ثمرتها ، فلا بدّ وأن يصيبها طلّ يعطي ثمرا دون ثمر الوابل ، فهي على كلّ حال لا تخلو من ثمرة ، فكذلك من أخرج صدقة لوجه الله تعالى ، لا يضيع كسبه ؛ قليلا كان ، أو كثيرا.
قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هذا وعد ، ووعيد.
قرأ الجمهور : تعملون خطابا وهو واضح ، فإنه من الالتفات من الغيبة إلى
__________________
(١) ينظر : ديوانه (١٣٦) ، البحر ٢ / ٣٢٦ ، دمنهوري ٤٨ ، ٧٣ ، والدر المصون ١ / ٦٤١.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٣٩) عن السدي ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٢٥٢) عن السدي أيضا.
(٣) ينظر : البحر ٢ / ٣١٤ ، الدر المصون ١ / ٦٤٢.
(٤) سقط في ب.