قوله : (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جملة من مبتدإ ، وخبر ، فالخبر قوله : «له» و (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) هو المبتدأ ، وذلك لا يستقيم على الظاهر ، إذ المبتدأ لا يكون جارّا ومجرورا ؛ فلا بدّ من تأويله. واختلف في ذلك :
فقيل : المبتدأ في الحقيقة محذوف ، وهذا الجارّ والمجرور صفة قائمة مقامه ، تقديره : «له فيها رزق من كلّ الثمرات ، أو فاكهة من كلّ الثمرات» فحذف الموصوف ، وبقيت صفته ؛ ومثله قول النّابغة : [الوافر]
١٢٢٥ ـ كأنّك من جمال بني أقيش |
|
يقعقع خلف رجليه بشنّ (١) |
أي : جمل من جمال بني أقيش ، وقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات: ١٦٤] أي : وما منّا أحد إلّا له مقام.
وقيل : «من» زائدة تقديره : له فيها كلّ الثمرات ، وذلك عند الأخفش ؛ لأنه لا يشترط في زيادتها شيئا.
وأمّا الكوفيّون : فيشترطون التنكير ، والبصريون يشترطونه وعدم الإيجاب ، وإذا قلنا بالزيادة، فالمراد بقوله : (كُلِّ الثَّمَراتِ) التكثير لا العموم ، لأنّ العموم متعذّر.
قال أبو البقاء (٢) : ولا يجوز أن تكون «من» زائدة ، لا على قول سيبويه ولا قول الأخفش ؛ لأنّ المعنى يصير : له فيها كل الثمرات ، وليس الأمر على هذا ، إلّا أن يراد به هنا الكثرة لا الاستيعاب ، فيجوز عند الأخفش ؛ لأنه يجوّز زيادة «من» في الواجب.
فإن قيل : كيف عطف «وأصابه» على «أيودّ»؟ وكيف يجوز عطف الماضي على المستقبل؟
فالجواب : من وجوه :
أحدها : أنّ الواو للحال ، والجملة بعدها في محلّ نصب عليها ، و «قد» مقدّرة أي : وقد أصابه ، وصاحب الحال هو «أحدكم» ، والعامل فيها «يودّ» ، ونظيرها : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، وقوله تعالى : (وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا) [آل عمران : ١٦٨] أي : وقد كنتم ، وقد قعدوا.
والثاني : أن يكون قد وضع الماضي موضع المضارع ، والتقدير «ويصيبه الكبر» كقوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ) [هود : ٩٨] أي : يوردهم. قال
__________________
(١) هو النابغة الجعدي ينظر ديوانه ص ١٢٦ ، وخزانة الأدب ٥ / ٦٧ ، ٦٩ ، والكتاب ٢ / ٣٤٥ ، ولسان العرب (وقش) ، (قعع) ، (شنن) ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٥٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٧ ، وبلا نسبة في لسان العرب (خدر) ، (أقش) ، (دنا) ، والمقتضب ٢ / ١٣٨ ، شرح المفصل ١ / ٦١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٤. والدر المصون ١ / ٦٤٣.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٣.