الفراء (١) : يجوز ذلك في «يودّ» ؛ لأنه يتلقّى مرة ب «أن» ومرة ب «لو» ، فجاز أن يقدّر أحدهما مكان الآخر.
الثالث : أنه حمل في العطف على المعنى ؛ لأنّ المعنى : أيودّ أحدكم أن لو كانت ، فأصابه الكبر ، وهذا الوجه فيه تأويل المضارع بالماضي ؛ ليصحّ عطف الماضي عليه ، عكس الوجه الذي قبله ، فإنّ فيه تأويل الماضي بالمضارع. واستضعف أبو البقاء (٢) هذا الوجه ؛ بأنه يؤدّي إلى تغيير اللفظ مع صحّة المعنى.
والزمخشريّ نحا إلى هذا الوجه ـ أيضا ـ فإنه قال «وقيل : يقال : وددت لو كان كذا ؛ فحمل العطف على المعنى ، كأنه قيل : أيودّ أحدكم لو كانت له جنّة ، وأصابه الكبر».
قال أبو حيان : «وظاهر كلامه أن يكون «أصابه» معطوفا على متعلّق «أيودّ» وهو «أن تكون» ؛ لأنه في معنى «لو كانت» ، إذ يقال : أيودّ أحدكم لو كانت ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنه يمتنع من حيث المعنى أن يكون معطوفا على «كانت» التي قبلها «لو» ؛ لأنه متعلّق الودّ ، وأمّا «أصابه الكبر» فلا يمكن أن يكون متعلّق الودّ ؛ لأنّ «أصابه الكبر» لا يودّه أحد ولا يتمنّاه ، لكن يحمل قول الزمخشريّ على أنه لمّا كان «أيودّ» استفهاما معناه الإنكار جعل متعلّق الودادة الجمع بين الشيئين ، وهما : كون جنة له ، وإصابة الكبر إياه ، لا أنّ كلّ واحد منهما يكون مودودا على انفراده ، وإنما أنكروا ودادة الجمع بينهما».
قوله تعالى : (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ) هذه الجملة في محلّ نصب على الحال من الهاء في «وأصابه» ، وقد تقدّم اشتقاق الذريّة. وقرئ «ضعاف» ، وضعفاء ، وضعاف ، منقاسان في ضعيف ، نحو : ظريف ، وظرفاء ، وظراف ، وشريف ، وشرفاء وشراف.
قوله : (فَأَصابَها إِعْصارٌ) هذه الجملة عطف على صفة الجنة قبلها ، قاله أبو البقاء (٣). يعني على قوله تعالى : (مِنْ نَخِيلٍ) وما بعده.
وأتى في هذه الآيات كلّها بلفظ الإصابة نحو فأصابه وابل ، وأصابه الكبر ، فأصابها إعصار ؛ لأنه أبلغ ، وأدلّ على التأثير بوقوع الفعل على ذلك الشيء ، من أنه لم يذكر بلفظ الإصابة ، حتى لو قيل : «وبل» ، و «كبر» ، «وأعصرت» لم يكن فيه ما في لفظ الإصابة من المبالغة.
والإعصار : الريح الشديدة المرتفعة ، وتسمّيها العامّة : الزّوبعة. وقيل : هي الريح السّموم ، سمّيت بذلك ؛ لأنها تلفّ كما يلفّ الثوب المعصور ، حكاه المهدوي. وقيل : لأنها تعصر السّحاب ، وتجمع على أعاصير ، قال : [البسيط]
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٥.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.