يكن قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من كلام الله تعالى ، لم يكن أجاب عن تلك الشبهة ، فلم يكن قوله (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) ـ لائقا بهذا الموضع.
فصل
ذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من المجملات التي لا يجوز التمسك بها.
قال ابن الخطيب (١) : وهو المختار عندي لوجوه :
الأول : أنه ثبت في «أصول الفقه» أنّ الاسم المفرد المحلّى ب «لام» التّعريف ، لا يفيد العموم ألبتّة ، بل ليس فيه إلّا تعريف الماهيّة ، ومتى كان كذلك ، كفى في العمل ثبوت حكمه في الصورة الواحدة.
الثاني : سلّمنا أنه يفيد العموم ، ولكنا لا نشكّ في أنّ إفادته العموم أضعف من إفادة ألفاظ الجمع للعموم ، مثلا قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وإن أفاد الاستغراق إلّا أن قوله : «وأحل الله البيعات» أقوى في إفادة الاستغراق فثبت أن قوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) لا يفيد (٢) الاستغراق إلّا إفادة ضعيفة ، ثم بتقدير العموم لا بدّ أن يتطرق إليها تخصيصات كثيرة خارجة عن الحصر والضبط ، ومثل هذا العموم لا يليق بكلام الله تعالى ، وكلام رسوله ؛ لأنه كذب ، والكذب على الله محال.
فأما العامّ الذي يكون موضع التخصيص منه قليلا جدّا ، فذلك جائز ؛ لأن إطلاق لفظ الاستغراق على الأغلب عرف مشهور في كلام العرب.
الثالث : روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : خرج رسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الدنيا ، وما سألناه عن الربا. ولو كان هذا اللفظ مفيدا للعموم ، لما قال ذلك ؛ فعلمنا أنّ هذه الآية من المجملات.
الرابع : أن قوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) يقتضي أن يكون كل بيع حلالا ، وكل ربا حراما ؛ والرّبا : هو الزيادة ، فأول الآية أباح جميع البيوع ، وآخرها حرّم الجميع ؛ فلا يعرف الحلال من الحرام بهذه الآية ؛ فكانت مجملة ، ووجب الرجوع في معرفة الحلال ، والحرام إلى بيان الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
قوله : (فَمَنْ جاءَهُ) يحتمل أن تكون شرطية وهو الظاهر ، وأن تكون موصولة ، وعلى كلا التقديرين فهي في محلّ رفع بالابتداء.
وقوله : (فَلَهُ ما سَلَفَ) هو الخبر ، فإن كانت شرطية ، فالفاء واجبة ، وإن كانت موصولة ، فهي جائزة ، وسبب زيادتها ما تقدّم من شبه الموصول لاسم الشرط. ويجوز
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨١.
(٢) في ب : وإن أفاد.