أي : وكذلك إدغام «ريّا» ليس بصحيح ، وقد حكى الكسائيّ الإدغام في «ريّا».
وقوله : «أمانته» يجوز أن تكون الأمانة بمعنى الشّيء المؤتمن عليه ؛ فينتصب انتصاب المفعول به بقوله : «فليؤدّ» ويجوز أن تكون مصدرا على أصلها ، وتكون على حذف مضاف ، أي : فليؤدّ دين أمانته ، ولا جائز أن تكون منصوبة على مصدر اؤتمن ، والضّمير في «أمانته» يحتمل أن يعود على صاحب الحقّ ، وأن يعود على «الّذي اؤتمن».
فصل
هذا هو القسم الثّالث من البياعات المذكورة في الآية ، وهو بيع الأمانة ، أعني : ما لا يكون فيه كتابة ، ولا شهود ، ولا يكون فيه رهن.
يقال : «أمن فلان غيره» إذا لم يخف منه.
قال تعالى : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ) [يوسف : ٦٤] فقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي : لم يخف خيانته وجحوده للحقّ (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) أي : فليؤدّ المديون الذي كان أمينا ، ومؤتمنا في ظنّ الدّائن ـ أمانته ، أي : حقّه ، كأنه يقول : أيّها المديون ، أنت أمين ، ومؤتمن في ظنّ الدّائن ، فلا تخلف ظنّه ، وأدّ إليه أمانته ، وحقه ، يقال : أمنته ، أو ائتمنته ، فهو مأمون ، ومؤتمن ، (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) أي : يتق الله ، ولا يجحد ، لأن الدّائن لمّا عامله المعاملة الحسنة ؛ حينئذ عوّل على أمانته ، ولم يطالبه بالوثائق من الكتابة ، والإشهاد ، والرهن ؛ فينبغي لهذا المديون أن يتّقي الله ، ويعامله أحسن معاملة ، بأن لا ينكر الحقّ ، ويؤديه إليه عند حلول الأجل.
وقيل : إنه خطاب للمرتهن بأن يؤدّي الرهن عند استيفاء المال ، فإنه أمانة في يده.
فصل
قال بعضهم : هذه الآية ناسخة للآيات المتقدمة الدالّة على وجوب الكتابة ، والإشهاد ، وأخذ الرهن.
واعلم أنّ التزام وقوع النسخ من غير دليل يلجئ إليه خطأ. [بل] تلك الأوامر محمولة على الإرشاد ، ورعاية الاحتياط ، وهذه الآية محمولة على الرخصة.
وعن ابن عباس ، أنه قال : ليس في آية المداينة نسخ (١).
قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) وفيه وجوه :
الأول : قال القفّال (٢) ـ رحمهالله ـ : إنه تعالى لما أباح ترك الكتابة والإشهاد ، والرهن عند اعتقاد أمانة المديون ، ثم كان من الجائز أن يكون المديون خائنا جاحدا
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي (٧ / ١٠٦).
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٠٦.