(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) [آل عمران : ٢٨] ، إلى أن قال : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) [آل عمران : ٢٩].
وذهب الأكثرون إلى أنّها عامّة.
فصل
روي عن ابن عبّاس ؛ أنه قال : لمّا نزلت هذه الآية ، جاء أبو بكر وعمر ، وعبد الرّحمن بن عوف ، ومعاذ ، وناس إلى النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم بركوا على الرّكب ، فقالوا : يا رسول الله ، كلّفنا من الأعمال ما نطيق ؛ الصلاة ، والصّيام ، والجهاد ، والصّدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، إنّ أحدنا ليحدّث نفسه بما لا يحبّ أن يثبت في قلبه وإنّ له الدّنيا ، فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا؟ بل قولوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلمّا قرأها القوم ، ذلّت بهم أنفسهم ، فأنزل الله في إثرها «آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله ، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير» فمكثوا في ذلك حولا ، واشتدّ ذلك عليهم ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] فنسخت هذه الآية ، فقال النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلّموا به» (١).
قال ابن مسعود ، وابن عبّاس ، وابن عمر : هذه الآية منسوخة (٢) ، وإليه ذهب محمّد بن كعب القرظيّ ؛ ويدلّ عليه ما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : قال : «إنّ الله تجاوز عن أمّتي ما وسوست به أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل به» (٣).
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٤٦ ـ ٤٧) وأحمد (٢ / ٤١٢) والطبري في «تفسيره» (٦ / ١٠٤) وابن حبان (١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦) عن أبي هريرة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٦١) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي داود في «ناسخه».
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٠٨) وأحمد (٣٠٧١ ـ شاكر) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٦١) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس.
وأخرجه الطبري (٦ / ١٠٨) والحاكم (٢ / ٢٨٧) وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص : ٨٦ عن سالم أن أباه ـ عبد الله بن عمر ـ أقرأه هذه الآية ... فذكره وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٦١) وزاد نسبته لابن أبي شيبة.
(٣) أخرجه البخاري (٣ / ٢٩٠) كتاب العتق باب الخطأ والنسيان رقم (٢٥٢٨) ، (٧ / ٨١) كتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق رقم (٥٢٦٩) ، (٨ / ٢٤٣) كتاب الأيمان والنذور باب إذا حنث ناسيا (٦٦٦٤) ومسلم (١ / ١١٦) كتاب الإيمان : باب تجاوز الله عن حديث النفس (٢٠١ ـ ١٢٧) وأبو داود (٢٢٠٩) والنسائي (١٥٧٦) وابن ماجه (٢٠٤٠ ، ٢٠٤٧) عن أبي هريرة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٦٢) وزاد نسبته لسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر.