في كمّه فيفقدها فيروع لها فيجدها في ضبنه حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه ؛ كما يخرج التّبر الأحمر من الكير (١).
وعن أنس بن مالك ، عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا ، وإذا أراد الله بعبده الشّرّ أمسك عليه بذنبه حتّى يوافيه به يوم القيامة» (٢).
فإن قيل : كيف تحصل المؤاخذة في الدّنيا مع قوله : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [غافر : ١٧].
قلنا : هذا خاصّ ، فيقدّم على ذلك العامّ.
الخامس : أنه ـ تعالى ـ قال : «يحاسبكم» ولم يقل : «يؤاخذكم» وقد ذكرنا في معنى كونه حسيبا ومحاسبا وجوها كثيرة ، ومن جملتها كونه عالما بها ، فيرجع معنى الآية إلى كونه عالما بكلّ ما في الضّمائر والسّرائر.
والمراد من المحاسبة : الإخبار والتّعريف.
ومعنى الآية : وإن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به أو تخفوه ممّا أضمرتم ونويتم ، يحاسبكم به الله ، ويخبركم به ، ويعرفكم إيّاه ثم يغفر للمؤمنين إظهارا لفضله ، ويعذّب الكافرين إظهارا لعدله.
وهذا معنى قول الضّحّاك ، ويروى عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ يدلّ عليه أنّه قال : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ولم يقل : «يؤاخذكم» ، والمحاسبة غير المؤاخذة.
وروي عن ابن عبّاس أنه ـ تعالى ـ إذا جمع الخلائق يخبرهم بما كان في نفوسهم ، فالمؤمن يخبره ويعفو عنه ، وأهل الذّنوب يخبرهم بما أخفوا من التّكذيب والذّنب (٣) روى صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فأتاه رجل ، فقال : كيف سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول في النّجوى؟ قال : قال رسول الله ـ
__________________
(١) أخرجه أبو داود الطيالسي (١٥٨٣) وأحمد (٦ / ٢١٨) والترمذي (٤ / ٧٨ ـ ٧٩) والطبري في «تفسيره» (٦ / ١١٧) وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (٢ / ٨٥) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٩٨٠٩) وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٦٣) وزاد نسبته لابن المنذر.
(٢) أخرجه الترمذي (٢٣٩٦) والحاكم (٤ / ٦٠٨) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٣١٢) عن أنس بن مالك.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
وأخرجه ابن عدي (٣ / ١١٩٢) عن أبي هريرة.
وأخرجه هناد بن السريّ في «الزهد» عن الحسن مرسلا كما في «كنز العمال» (١١ / ١٠٢) رقم (٣٠٨٠٠).
(٣) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ١١٠).